الخطبة الثانية :
الحمد لله الذي أختار محمداً صلى الله عليه وسلم واصطفاه ليختم به الرسالات ، وفرض على الثقلين الإيمان به وإتباعه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، الذي لا نجاة ولا فوز ولا فلاح لأحد بعد مبعثه إلا بالإهتداء بهديه ، وإتباع منهجه، والإعتصام بسنته صلى الله عليه وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد:
فقد جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( والذي نفس محمدٍ بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به ، إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه. وقد جعل الله عز وجل القرآن المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حاكما ومهيمناً على سائر الكتب المنزلة على الرسل السابقين ، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ[43]) .
وبذلك صار الدين الذي بعث الله تعالى به نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الدين الذي لا يقبل الله من أحد سواه ، ولا طريق توصل إلى الله عز وجل إلا عن طريق خاتم رسل الله عليه وعليهم الصلاة والسلام، إضافة إلى أنّ الكتب السماوية السابقة دخلها الكثير من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان ، كما أخبر الله عز وجل بذلك في كتابه بقوله: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ)[44]. (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً)[45] . (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)[46] .
أما كتاب الله المنزل على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد نال من العناية الربانية ما لم ينله كتاب قبله ، فصانه الله عز وجل عن أي تبديل أو تحريف أو زيادة أو نقصان، حتى تقوم به الحجة على الناس إلى يوم القيامة، وذلك مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[47] .
وما يدسه أهل الأهواء والشهوات وأصحاب الملل المنحرفة عن الجادّه وأعداء الإسلام ، الذين يعمدون إلى تشويه حقائق الإسلام ، لا يخفى بطلانها وزيفها ، ومصادمتها للحق عند أهل المعرفة ، ومن آتاهم الله تعالى نوراً في بصائرهم.
والواجب على كل مسلم حريص على سلامة معتقده وعبادته وسلوكه أن يكون شديد الحذر من كل ما ينشره ضد الإسلام بأساليب ماكرة، بلغت الغاية في الكيد والدس والتشويه ، وأن يسأل دائماً فيما يعرض له من يثق بدينه وعلمه وأمانته وسلامة عقيدته، وإذا علم الله سبحانه صدق التوجه عند العبد وشدة حرصه على إيمانه ، وبحثه عن الحق ، وعدم اتباعه للأهواء ، فإن الله عز وجل يجعل له فرقاناً ، ونوراً في بصيرته،ويحفظه من الزيغ والضلال: (وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)[48] (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[49].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ) سورة آل عمران الآية : :102
[2] ) سورة النساء الآية : :1
[3] ) سورة الأحزاب الآية :70 -71
[4] ) سورة الإسراء الآية : :110
[5] ) سورة الاعراف الآية : 180
[6] ) سورة القيامة الآية : 26
[7] )سورة الأنبياء الآية : 16-18
[8] ) سورة الدخان الآية : 38-39
[9] ) سورة المؤمنون الآية : 115
[10] ) سورة ابراهيم الآية : 42
[11] ) سورة ابراهيم الآية : 47
[12] ) سورة الزخرف الآية : 80
[13] ) سورة يس الآية : 83
[14] ) سورة الصافات الآية : 180-1182
[15] ) سورة الاسراء الآية : 111
[16] ) سورة القصص الآية : 70
[17] ) سورة الذاريات الآية : 56
المفضلات