شمس الإسلام يسطع على هسبانيولا.. الحلقة (2) والأخيرة..؟؟
أحبتي في الله تحدثنا في الحلقة السابقة عن ملامح جغرافية وتاريخية لجزيرة هسبانيولا,ومن المعلوم للمطلع على أحداث تلك المنطقة أن الهجرات الإسلامية المعاصرة إليها أدّت إلى تنشيط دور المسلمين في جزيرة هسبانيولا - إحدى جزر البحر الكاريبي - ويسعى المسلمون حالياً لاسترداد أمجاد أجدادهم الذين هاجروا من دول غرب أفريقيا منذ القرن الخامس الهجري إلى الجزيرة، ونشروا الإسلام بين الهنود الحمر منذ فجر الدعوة الإسلامية في هذا الجزء من العالم,هيا بنا إخوتي لنكمل مسيرتنا على أرض تلك الجزيرة لتفقد أحوال الإسلام والمسلمين هناك.
و بالرغم من أن جزيرة هسبانيولا مقسمة إلى قسمين: الجزء الشرقي وتحتله "الدومينكان"، والجزء الغربي الذي تشغله " هايتي"، إلا أن روح الأخوة تسود بين المسلمين هناك إذ آخى الإسلام بينهم. غن المصادر التاريخية تذكر أن الأفارقة قد تمكّنوا من اكتشاف جزيرة هسبانيولا بالبحر الكاريبي منذ نهاية القرن الخامس الهجري، وذلك عندما هاجر إلى هناك عدد لا بأس به من الأفارقة من دول غرب أفريقيا خاصة من السنغال وبنين.
ولم يشعر الهنود الحمر - سكان الجزيرة - بأن هؤلاء المهاجرين الأفارقة غرباء عنهم وذلك نتيجة لتشابه العادات القبلية بين الطرفين، فقد تعايش الجميع في وفاق، وأسهم ذلك بشكل إيجابي في نشر الإسلام بين الهنود الحمر.
هذا و يخبر إيفان سيرتيما صاحب كتاب هم قدموا قبل كولومبوس:الوجود الإسلامي في أمريكا القديمة بأن المسلمين الأفارقة قدموا إلى الجزيرة قبل كريستوف كولومبوس وأن السكان الأصليين الحاليين يعترفون بأن أول من قدم إلى الجزيرة هم الأفارقة. كما أن المسلمين الأفارقة اندمجوا مع السكان الأصليين للبلاد ودخل منهم عدد كبير فيه.
بعد ذلك تدفق عدد من العبيد المسلمين إلى الجزيرة على يد الإسبان فقاموا بثورة ضدهم في 1522 م فقامت إسبانيا بمعاونة السكان الأصليين بقمعها. وفيها قال دييجو كولومبوس «إن لم تقمع الثورة بسرعة لكانت قد أريقت دماء المزيد من المسيحيين». قامت إسبانيا بإجلاء المسلمين عن الجزيرة وإبعادهم عنها.
وخلال عدة سنوات اعتنق عدد كبير من سكان الجزيرة الإسلام حتى صار دين الغالبية هناك، وقد شارك الجميع في تشييد المساجد، وعقد حلقات التلاوة القرآنية، وتأسس لأول مرة مجتمع إسلامي تسوده الأخوة والصدق في المعاملات، والبعد عن الرذائل.
كما قامت بين الأفارقة والهنود الحمر علاقات تزاوج ومصاهرة أدّت إلى نشوء جيل جديد من المسلمين، وأدّى هذا التجانس البشري إلى نشوء لغة جديدة سادت بالجزيرة، اختلطت فيها المفردات اللغوية الأفريقية ولهجات الهنود الحمر باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم.
هذا وتحتل جمهورية الدومنيكان الجزء الشرقي من هسبانيولا وغالبية سكان الدومنيكان من المسلمين الأفارقة، وللحد من التفوق البشرى الإسلامي قامت أسبانيا بتهجير عدد كبير من سكان الأندلس، واتضح لأسبانيا بعد تهجيرهم أنهم من المسلمين، وهكذا زادت أعداد المسلمين، فقررت أسبانيا وقف ومنع هجرة المسلمين إلى الجزيرة، ومع تزايد انتشار الإسلام قررت أسبانيا طرد المسلمين من الجزيرة ومن كل مستعمراتها في جزر البحر الكاريبي، وهكذا تقلص الوجود الإسلامي في الجزء الشرقي.
أما الجزء الغربي من جزيرة هسبانيولا فقد تأسست به دولة "هايتي"، وقد احتلتها فرنسا عام 1036 هجرية ( 1626ميلادية ) وطردت أسبانيا منها، حتى حصلت هايتي على استقلالها في عام 1219 هجرية ( 1804 ميلادية )، فكانت أول جمهورية زنجية في العالم كله.
وأغلب سكان " هايتي" من الزنوج الأفارقة الذين استقروا في جزيرة هسبانيولا منذ نهاية القرن الخامس الهجري، بالإضافة إلى عدد آخر من الأفارقة الذين جلبتهم فرنسا من غرب أفريقيا.
لقد عانى المسلمون في هايتي - أو الجزء الغربي من هسبانيولا - من الاضطهاد الديني، حيث وضعت فرنسا العديد من العراقيل لمنع المسلمين من ممارسة شعائر دينهم الإسلامي الحنيف، فاضطر عدد كبير منهم للهجرة إلى جزيرة " جوناف" المجاورة.
ونتيجة لاستمرار الاضطهاد قامت ثورات إسلامية للمطالبة بتقرير حق المسلمين في ممارسة شعائر دينهم، وقد سجل التاريخ الإسلامي لجزيرة "هسبانيولا" جهاد المسلمين بقيادة الشيخ محمد ماكندال الذي حُكم عليه بالموت حرقاً لإخماد صوت المسلمين، ومنعهم من المطالبة بحقوقهم المشروعة.
لقد أدّت سياسة القمع في " هسبانيولا" إلى تقلّص أعداد المسلمين في الدومنيكان وهايتي وجوناف، فمن سبعة ملايين نسمة في هايتي يوجد الآن تسعة آلاف نسمة من المسلمين فقط، ومن بين نحو ثمانية ملايين نسمة في الدومنيكان يوجد بينهم سبعة آلاف نسمة من المسلمين، أي أن 15 مليون نسمة هم سكان هسبانيولا يوجد 17 ألف مسلم فقط يمثلون أكثر من 1% من إجمالي عدد السكان.
ويسعى المسلمون في هسبانيولا لاسترداد أمجادهم الإسلامية، كما أنهم يطالبون بعودتهم لأصولهم التاريخية الإسلامية بعد أن سرقها البرتغاليون ردحاً من الزمن ,لذلك فقد بدؤوا حركة نشطة لنشر الإسلام في الجزيرة من جديد، وإنشاء مراكز إسلامية في " سانت دمنجو" و" بورت أو برنس" وبعض المدن الأخرى.حيث أنه كان لا يوجد إلا هيئة وحيدة تمثل المسلمين في تلك البقاع وهي المنظمة الإسلامية لأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي و تمثل 33 دولة من أميركا اللاتينية والبحر الكاريبي، وأميركا الوسطى، وتأسست منذ 15 عاماً.
هذا و تعتبر تلك المنظمة الصوت الوحيد، الذي يمثل المسلمين هناك، وكل عام تنظم مؤتمراً في كل دولة من دول الكاريبي أو أميركا اللاتينية، والمنظمة عضو في رابطة العالم الإسلامي، وعضو في المجلس الإسلامي العالمي.
وتعتبر الجهود المبذولة لخدمة المسلمين ذاتية وقائمة على جهود فردية، إضافة لأن عملية التواصل مع الدول الإسلامية ضعيفة وشبه مفقودة؛ لذلك فإن كثيرا منهم يتعرضون لعلميات التنصير أو تغيير لمذاهب منحرفة بعد أن يتم إرسال البعض من أصحاب هذه المذاهب لبلدانهم لتغييرها في ظل غياب التواصل مع المسلمين من أصحاب العقيدة الصحيحة، فليس هناك برامج للمسلمين الجدد تعلمهم دينهم بشكل صحيح فالناس هناك يدخلون الإسلام ثم يتركون وهذا أمر خاطئ،وهم أيضاً بحاجة لميزانيات حتى تعمل لهم برامج تشكل نواحي تعليمية وصحية وإسكانية.
والمطلوب مع زيادة الميزانيات الموجهة للدعوة تخفيف الجهود الغير مثمرة مثل عمل المؤتمرات الدورية التي لا تقدم للمسلمين شيئا فمعظم هذه المؤتمرات ذات فائدة محدودة ويصرف عليها المال، والمشكلة أن بعض رؤساء المراكز الإسلامية في تلك المناطق لايدعون للتباحث مع نظرائهم والاستفادة من الخبرات وتنسيق العمل الدعوي في المنطقة نظرا لتشابه البيئة والسكان والأوضاع الاجتماعية والثقافية.كما يجب أن يعاد تشكيل العمل الإداري الإسلامي ويصبح هناك مؤتمرات يتم فيها تبادل الخبرات وتنسيق العمل الدعوي الذي يفتقد كثير من التنظيم والتنسيق؛ لأن المراكز الإسلامية في أمريكا الجنوبية والكاريبي تقوم على الاجتهادات الفردية، وهناك البعض لا يملكون الخبرة الكافية والقدرة على التواصل مع أجهزة الدولة لنيل أكبر قدر من المكاسب السياسية والاجتماعية التي توطد دعائم الإسلام وترفع من قدر المسلمين.
وقد كشف تقرير معاصر عن حاجة المسلمين هناك المدارس والكتب الإسلامية, و إلى ترجمات معاني القرآن الكريم باللغتين الأسبانية والفرنسية، ومكتبات دينية، ودُعاة لتبصير المسلمين هناك بأحكام وهدايات الدين الإسلامي الحنيف لتصحيح مسار العقيدة, فهل من نهضة وهمة إسلامية تتبنى حقوق المسلمين التاريخية في ملايين من الكيلو مترات الأرضية التي نهبت من المسلمين عبر القرون الثلاثة الماضية وتحديدا مع سقوط الأندلس وتغير المسلمين من قوة عظمى إلى انحطاط حضاري.
أخيراً لقد أسس المسلمون في تلك المنطقة حضارة إسلامية راقية،وانتشروا في معظم بلدان القارة،وحقّقوا نجاحات،ووصلوا إلى أعلى المناصب السياسية في القارة على الرغم من تنامي النفوذ الصهيوني في القارة,على ذلك فلهم علينا حقوق. فيا ترى بماذا سنجيب الله حينما يسألنا ماذا قدمنا لإخواننا المسلمين في بقاع الأرض؟ خاصة في الدول غير الناطقة بالعربية مثل الجزر المتناثرة في أمريكا الوسطى واللاتينية والكاريبي، تلك المناطق التي ما زالت بعيدة عن اهتمامات المسلمين إلى حد كبير.
هذه محاولة متواضعة لتعريف أبناء العالم الإسلامي بأخوة لهم في الغرب الأقصي،لكي يمد العالم الإسلامي لهم يد العون ويشد من أزرهم، وليسمع أبناء الإسلام صوتاً منبثقاً من عقيدة التوحيد يأتي عبر المحيطات الشاسعة من النصف الغربي من الأرض عله يجيب ذلك الصوت ويهب لنصرته ومساعدته على غرس الإسلام وتثبيت دعائمه في هذه الأرض الخصبة..
هذه الحلقه الثانيه والاخيرة
ونلتقي في منطقه اسلاميه اخرى
ان شاء الله..
تحيات
ماجد البلوي
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات