هذا الصباح تصفحت جريدة الشرق الأوسط ليوم الاثنين 23/10/1430هـ وتفاجأت بحوار موسع مع القاضي البلوي الذي رفع رؤوسنا أسأل الله يوفقه ويزيدة من فضله ولكم نص الحوار والرابط ونعتذر من الادارة على النقل بس أحببت ألا أفوت الفرصة على ابناء القبيلة
لا يمكن أن تكون الابتسامة مسعدة حتى يشترك فيها أكثر من شخص
يعرف عن الشيخ ياسر البلوي، قاض في محكمة صامطة (جنوب السعودية)، أنه من القضاة الذين اعتمدوا الأحكام البديلة بالقضايا التي ينظرونها، غير أنه حريص ـ بحسب ما يقول- على أن لا تكون الأحكام التي يصدرها سببا للنفرة من العمل التطوعي أو الاجتماعي.
وكشف القاضي البلوي، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط» عن توجيه رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور صالح بن حميد باعتماد بدائل السجون كخيار واسع للقضاة في إصدارهم للأحكام حيث تلقى ذلك القضاة بالقبول الأمر الذي وجد فيه القاضي وعيا مقاصديا مصلحيا.
وقلل القاضي السعودي، من شأن عقوبة السجن في إصلاح السجناء. وقال إن نسبة العودة إلى السجون تصل إلى 30 في المائة من عدد السجناء المفرج عنهم.
ودافع القاضي البلوي والذي عرف عنه مؤخرا إصدار العديد من الأحكام البديلة لعقوبة السجن أو ما يسمى بـ«العقوبات الاجتماعية»، عن اتهام القضاة السعوديين بعدم معرفتهم غير لغة «السجن والجلد» بتأكيده على لجوء القضاة كافة إلى إصدار العقوبات الاجتماعية منذ زمن.
ويقول «شخصيا لا أعرف قاضياً لم يحكم بما يمكن أن نسميه ببدائل السجن». إلا أن القصور في ذلك أرجعه إلى عدم إتاحة نشره في الصحافة وإثرائها بالمناقشة بعيدا عن الإثارة والأدلجة.
وأوضح أن احد معيقات اعتماد عقوبات بدائل السجن ترجع إلى الرفض من قبل بعض الشرائح في المجتمع لعدد من الاعمال الاجتماعية وبعض المهن مما يؤثر الضغط الاجتماعي على رفض المحكوم عليه راضخا للحكم «المشدد».
وكان للقاضي في نص الحوار عدد من المقترحات لتحقيق الإبداع في مجال العقوبات البديلة من بينها تفعيل عقوبات الإقامة الجبرية المنزلية من خلال أجهزة استشعار عبر الأقمار الصناعية ، تجعل كأساور بيد المحكوم عليه لتسهيل متابعة نطاق إقامته. وتخصيص السجون وجمعيات ذات شخصية اعتبارية ذات صلاحيات تنفيذية. فإلى نص الحوار:
* نحييك ونشكر استقبال استفساراتنا عبر البريد الإلكتروني وهذا مسعد جداً أن نرى القضاة حريصون على التقنية الحديثة، نريد بطاقتك وتعريفاً للقراء بمحاورنا؟ سمعنا أن اسم ابنتك الصغرى إيلاف أما وجدت لهذا الاسم من بدائل؟ ألا يذكرك بشيء اسمه ايلاف الالكترونية؟
- وأنا أشكركم على تواصلكم ويسعدنا بسرور بالغ تواصل الإعلاميين مع القضاة لأن لكل منا رسالة ولا بد من التكامل لنرتقي بالفكر والعقل والأجيال ونرسخ لديهم مبادئ العدل والحب والصفاء وأداء الواجبات.
أخوكم ياسر بن صالح بن عيادة العصباني البلوي من سكان منطقة تبوك متزوج ولي طفلتان إيلاف ولها من العمر سنتان ومعنى الاسم العهد والوفاء وأما الثانية لجين ولها سنة وتعني ماء الفضة. أنا حاصل على جائزة الأمير فهد بن سلطان للتفوق العلمي، وحاصل على البكالوريوس في الشريعة والماجستير في الفقه المقارن من المعهد العالي للقضاء، وأحضر للدكتوراه في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. وأعمل قاضيا في المحكمة العامة بصامطة. مناقش عن التشريع الإسلامي والنظام القضائي في المملكة في موسوعة جوريسبيديا العالمية الجامعية. جامعة كيبك، مونتريال كندا.
وأما بدائل إيلاف فكما قلت يعني العهد والوفاء والالتزام والصفاء والحب والاحترام لا بدائل لهذه المعاني.
* بداية وقبيل الحديث عن بدائل السجن والعقوبات الاجتماعية هل لك أن تعطينا لمحة عن القضاء في السعودية، وتوضيح فلسفة العقاب لدى القضاة في السعودية؟
- إن التشريع الإسلامي وحدة حقوقية كاملة، تبدأ من تنظيم علاقة الكائن الإنساني بذاته، وأسرته، ومجتمعه أفراداً وكياناً، وعلاقة دولة الإسلام بالعالم الذي يحيط بها، ثم علاقة الإنسان والدولة باللّه تعالى، وحدة مترابطة الأجزاء، مكتملة الجوانب.
هذه المنظومة لا تعطي نتائجها ولا تظهر فوائدها ولا تميزها إلا بالتطبيق الحي الصادق الشامل لمفردات تلك المنظومة كاملة، ولذلك فان الجانب النظري في منهجيه الفقه الإسلامي لا تعرف الفصل بين النظام المدني عن نظام الأسرة، عن الجنائي، عن الدستوري، عن الدولي، إنما هي وحدة واحدة في الأسس والمنطلقات والحقائق الأساسية التي يقوم عليها مجمل التشريع.
إن اللّه تعالى قد أرشد الإنسان المسلم إلى طرق استمداد الحكم الشرعي، وكونه مظلة للجميع يقف الناس أجمع تحت سلطانها بسواسية، وقد أبدع فقهاؤنا، فأنتجوا ثروة فقهيه واسعة، نزلت إلى عالم التطبيق الفعلي قروناً عديدة، مشكلة سوابق في معالجة الوقائع التي لم يرد فيها نص شرعي، مما عدت الثروة خزينة تشريعية هائلة في معالجة قضايا العصر ومشكلاته. هذا مصدر افتخارنا أن نتمسك بأصالة المصدر مع عصرية المواجهة، هذه راية من سبقنا وسنحملها لمن بعدنا.
* ماذا عن الجانب التشريعي الإسلامي المتعلق بالعقوبات وعلاقته ببدائل السجن؟
- إن هذا الأمر ينقسم إلى نوعين: عقوبات محددة كالحدود. وهذه لا تدخل في حديثنا للتحديد التعبدي فيها فلا يجوز الاستعاضة عن هذه الحدود المقدرة ببدائل تصادم النص لأنها تدخل في تغيير حكم الله البات والقاطع .بل لها تفاصيلها الرائعة من درء الحدود بالشبهات والتسامح فيما هو من حقوق الله الخالصة وفق تفاصيل فيها من الرحمة والخير للبشرية، حيث إن من مقاصد الشريعة في جملتها أنها ليست متشوفة إلى إقامة الحدود والأحكام لكن إذا ثبت الحكم وتقرر فنعم.
* ماذا عن النوع الثاني؟
- هي عقوبات غير محددة: وتسمى التعازير، وهذه بابها واسع جداً، فالتعزير: «وهو التأديب» بكل ما يحصل به الأدب، والأدب هو تقويم الأخلاق، أو فعل ما يحصل به التقويم.
والتعزير ليس بواجب على الإطلاق، ولا يُتْرك على الإطلاق، فمرجع الأمر إلى اجتهاد الحاكم إلا أنه لا بد وأن يكون منسجماً مع الإطار المرجعي الغني والثري بالفهم المقاصدي للعقوبات في الفقه الإسلامي والذي له ملامحه وإطاراته الفقهية العامة.
قال ابن فرحون المالكي في تبصرة الحكام «والتعزير لا يختص بالسوط واليد والحبس، وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام»، كما قال أبو بكر الطرطوسي في أخبار الخلفاء المتقدمين: أنهم كانوا يعاملون الرجل على قدره وقدر جنايته منهم من يضرب، ومنهم من يحبس، ومنهم من يقام واقفا على قدميه في المحافل، ومنهم من تنزع عمامته، ومنهم من يحل إزاره. وقال القرافي: إن التعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار، فرب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر، كقطع الطيلسان ليس تعزيرا في الشام فإنه إكرام، وكشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا، وبمصر والعراق هوان .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم عزر بالهجر، وذلك في حق الثلاثة الذين ذكرهم الله - تعالى - في القرآن العظيم، فهجروا خمسين يوما لا يكلمهم أحد، كما عزر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنفي من المدينة. وكذلك الصحابة من بعده.
فكما ذكرنا فإن العقوبات التعزيرية بجميع أنواعها يرجع أمر تعيينها وتقديرها وتقريرها إلى اجتهاد القاضي المستند إلى النظر المصلحي الذي يناسب الواقعة والفاعل والمجتمع والزمان والمكان.
* ما سبب التفات الجهات القضائية لمثل هذه البدائل في الآونة الأخيرة؟
- في الأساس هذه الأحكام مفعلة لدى القضاة وهي من صميم عملهم والتاريخ القضائي مليء بكثير من هذه البدائل فمثلاً التأديب على فعل المحرم لا يتكرر بتكرر فعل المحرمات من جنس واحد قبل التنفيذ حيث تتداخل العقوبات وهذا جانب من الحلول البديلة إن صح الإطلاق، ولكن لعل الاهتمام الإعلامي بدأ ينصب لمتابعة مثل هذه الأحكام مؤخراً، وجانب آخر هو أنه قد أظهرت الدراسات المسحية سلبيات كثيرة ومتعددة لأكثر العقوبات انتشاراً وذيوعاً وهي السجن مما ولد قناعة لدى الجهات القضائية والجهات التنفيذية بالتفكير الجاد والواسع لبدائل السجن .
كما ظهرت بجلاء الآثار السلبية والمشكلات التي تتعرض لها أسرة السجين نتيجة سجن عائلها وتتنوع الآثار السلبية من طلاق وخلع وانحراف للأبناء وفقر، بالإضافة إلى نظرة المجتمع لمن يسجن، كما لا يمكن إغفال قضية، انتفاء هيبة السجن لدى الإنسان وتزايد الشعور بالبطالة وعدم وجود العمل مما يولد لديه اللجوء للجريمة لتأمين بعض احتياجاته أو للرجوع لمجتمع السجن الذي ألف عليه. حيث أظهرت الدراسات أن نسبة العودة إلى السجون تقريبا (20% إلى 30%) من عدد السجناء المفرج عنهم. بما في ذلك التكاليف المالية الباهظة التي تصرف على السجناء ذوي الأحكام البسيطة، وما تشهده السجون حاليا من الاكتظاظ جاعلا الحياة في السجون مقلقة للراحة.
* هل هناك ضوابط لإيقاع مثل هذه البدائل؟
- نعم بالفعل، فضوابط إيقاع العقوبة بالبدائل أن تكون بحكم قضائي مكتسب للقطعية، وقابلة للتنفيذ لا يعوقها عائق تنفيذي أو فني وأن يكون إيقاعها عدلا .
وان لا تكون سبباً للنفرة من العمل التطوعي أو الاجتماعي، ومناسبة لحال المحكوم عليه حافظة لحقوقه وكرامته الإنسانية، كما أن يتم تنفيذ العقوبة تحت إشراف قضائي.
كما لابد ان لا يكون الحكم متعدياً ضرره على غير الجاني حتى ولو كانت عقوبة تطوعية، فلا تتسبب له زيادة عقوبة أو آثارا متعدية سلبية مع محيطه ومجتمعه، فهي إما أن تكون سالبة ذات فائدة رادعة أو إيجابية ذات فائدة مكافئة تشجيعية للاستقامة.
* ما الفوائد المتوخاة من الحكم ببدائل السجن؟
- باعتبار أن التعزير بالسجن أكثر العقوبات التعزيرية تطبيقاً فإن استبداله بالأعمال التطوعية سيضع حداً لما يحصل في كثير من السجون نتيجة خلط السجناء، وخاصة فئة الأحداث من اكتساب مهارات في الإجرام وطرقه.
من جهة اخرى تساعد العقوبات الاجتماعية على تدريب الجناة على العمل عموما وتقبلهم له، مما يؤدي إلى رفع همتهم وانتشال نفسيتهم، بل قد تؤدي به هذه العقوبة إلى البحث عن فرصة عمل بعد انتهاء محكوميته، بل انه قد يجد له فرصة في الجهة التي أُلزم بالتطوع فيها، ومن المعلوم أن البطالة هي من أبرز أسباب الوقوع في الجريمة وخاصة من الأحداث، كما تساعد بدائل السجن على تدريب الجاني على العمل التطوعي بخصوصه.
بالاضافة الى ما تحققه البدائل من فائدة وخدمة للمجتمع والجهات الرسمية وغير الرسمية المناط بها أدوار خدمية عامة كالبلديات ودور الرعاية الاجتماعية والمستشفيات ومكاتب الدعوة والجمعيات الخيرية ونحوها بتوفير عدد من الأفراد المتطوعين. ولا يمكن ان نغفل عن دور العقوبات البديلة في زجر وردع سائر أفراد المجتمع عن ارتكاب الجريمة وذلك لدى مشاهدة تطبيق العقوبة أمام ناظريهم.
* ولكن ما مدى مشروعية العقوبات التعزيرية بالأعمال التطوعية والتعبدية، هل هناك محظور من ممارستها قضائياً ؟
- الأصل في التعزير بالأعمال التطوعية عدم حصرها، نظراً لتبعيتها لاجتهاد من هو أهل للاجتهاد من القضاة، وعلماء الأمة وباحثيها الاجتماعيين وخبراء الدراسات النفسية والاجتماعية، ولارتباطها بتحقيق المصلحة الشرعية المقصودة من اقتراح العقوبات المناسبة لعلاج جميع أركان الخطيئة (الجريمة).
الا ان هناك مدرسة فقهية ترى منع إيقاع العقوبة التعزيرية بالعبادات المحضة كالصلاة والزكاة فذلك قد يكون سببا للنفرة من العبادات وطريقا لكرهها من جهة نظرهم، كما أن هذه الأعمال تحتاج وتفتقر إلى النية المصاحبة لها ليتم قبولها وتتحقق صحتها، اضافة الى انتفاء معنى العقوبة.
اما المدرسة الأخرى فترى الموافقة على إيقاع العقوبة التعزيرية بالعبادات المحضة لما يلي من خلال القياس على الكفارات فقد جعل الشارع منها زواجر بأعمال تعبدية محضة كـالصوم، كما أن في الإلزام بها معنى تربويا لصلاح حال المخطئ حيث ممارسة العبادات التي تهذب الروح والجسد، ويوجد هناك قسم من العبادات غير المحضة وإنما ذات نفع متعدٍ وهذا النوع الأمر فيه واسع لدى الفقهاء لما فيه من المصالح المقترنة به حتى لو تجردت عن النية.
* ما أقسام العقوبات البديلة وأنواعها؟
- العقوبات البديلة للسجن لا حصر لها، وهي تختلف باختلاف الأشخاص والجرائم والمجتمع.
ويمكن تصنيفها على عدة معايير تصنيفية بالإمكان تصنيفها على حسب المراحل التي تمر بها القضية (التحقيق، المحاكمة، ما بعد صدور الحكم والتنفيذ ) ويمكن تصنيفها حسب نوع الجريمة (المخدرات، الأخلاقيات، جرائم الأموال، الجرائم القاصرة والجرائم المتعدية)، الجرائم والمخالفات والجنح البسيطة والجرائم الخطيرة، وهناك معيار بحسب طبيعة التدبير المتخذ ومحله (مالية، بدنية، معنوية).
* هل لك أن تذكر لنا نماذج مقترحة على بدائل السجن؟
- بدائل السجن المقترحة والتي تحتاج غالبا في حسنا القضائي لمستند نظامي مع آلية واضحة للتنفيذ قد تكون غرامات مالية، أو أعمالا خدمية واجتماعية، أو مصادرة وإتلافا، بالإضافة إلى الأعمال اليدوية البحتة، وحفر الأساسات والآبار، ونقل البضائع والمعدات وتحميلها وتنزيلها، وفك الأثاث وتركيبه، وزراعة الحدائق والأرصفة وسقايتها، وفرش المساجد وصيانتها وتطييبها، وترتيب الفصول الدراسية وصيانتها، ونحو ذلك مما فيه خدمةٌ للمجتمع وإرغامٌ للمذنب بما يمنعه من العودة لجرائمه، ويزجر الآخرين عن مثل فعله.
إضافة إلى التعويض عن أضراره المتعدية، واشتراط الصلح والتنازل عن الحق الخاص، أو التوبيخ واللوم والتشهير أو الإقامة الجبرية، وإلغاء التراخيص والمنع من الخدمات المدنية أو قطع الراتب والحرمان من العلاوات والترقيات الوظيفية. وتخفيض الدرجة الوظيفية، بما في ذلك من النقل التأديبي للموظف، أو الحكم بالسجن مع وقف التنفيذ، والمنع من السفر. مطلقا أو مقيدا بأماكن معينة.
او الإلحاق ببرامج الدعم الذاتي والتأهيل لمتعاطي المخدرات او الإلحاق بدورات تدريبية في تنمية الذات والقدرات، والالتزام بحضور الصلوات مع جماعة الحي.
* كيف تضمنون تطبيق الأحكام من قبل الشرطة والإمارة وما آلية ذلك؟
- المنظم السعودي قد نظم آليات التنفيذ للأحكام القضائية ولأوامر الملاحقة القضائية ورتب كثيرا من الإجراءات التفصيلية للتنفيذ والجهاز القضائي يمارس مهامة باستقلالية تامة عن الجهات التنفيذية وجهات الضبط والتحقيق وأعطي الجهاز القضائي آليات إشرافية لتحقيق مبادئ العدالة وحماية الحقوق، كما عالج النظام سبل تجاوز عقبات التنفيذ.
فبمجرد وضع الختم التنفيذي على الحكم بعد اكتسابه القطعية تحال المعاملة للجهات التنفيذية لمباشرة التنفيذ، وصيغة التنفيذ التي يجب تظهيرها على القرارات هي (يطلب من كافة الدوائر والجهات الحكومية المختصة العمل على تنفيذ هذا الحكم بجميع الوسائل النظامية المتبعة ولو أدى إلى استعمال القـوة الجبرية عن طريق الشرطة (والجهات التنفيذية متفانية وملتزمة بالدقة في تنفيذ الأحكام.
كما ان العمل بات جارياً للانتهاء من نظام التنفيذ الذي أقره مجلس الشورى وذلك بانشاء دوائر خاصة بالتنفيذ، وقضاة متخصصين متفرغين لتنفيذ الأحكام الصادرة، ولهم حق الاستعانة بالشرطة والمنع من السفر ورفعه والحبس والإفراج ومنع الخدمات المدنية والحجز على الممتلكات وطلبات التحري والإفصاح وفرض وسائل ضاغطة ورادعة لتسريع التنفيذ، وحل كثير من عقبات التنفيذ ومتابعة تنفيذها.
* أين تكمن صعوبة إصدار أحكام بالعقوبات البديلة من جانب القضاة؟
- هناك شريحة فكرية في المجتمع ترى أن في التوسع في مثل هذه الأحكام يقلل من هيبة القضاء، ويكسر حاجز الردع المطلوب تحقيقه لدى المخالفين والعابثين بالأمن. وهذا لا يسلم على إطلاقه فليس الهدف الوحيد من البدائل تحقيق مبدأ الردع فهناك مبدأ آخر إيجابي وهو التشجيع والمكافأة والدعم النفسي وتحقيق الإدماج، والتعايش معه أثناء أداء البدائل، والتي هي ليست تطوعية في حقه بل إلزامية .
كما انه أثناء العمل الاجتماعي، وطوال فترة التدريب أو الدراسة أو الحفظ والتسميع على قراء الحلقات يضطر الجاني للاحتكاك بأناسٍ هم خيرٌ من أصدقاء السوء، فيتحسن سلوكه شيئاً فشيئاً.
فقناعة عدم كون هذه البدائل رادعة تقابلها قناعة واقعية وعلمية أن هناك حالات متفردة تحتاج لتأهيل في القناعات والسلوكيات الشاذة عبر عزل خاص وتأهيل ومعالجة، لا ينفع معها مطلقاً فكرة العقوبة . وهذا نستفيده من المتخصصين بالمسارات السلوكية من المستشارين النفسيين والاجتماعيين ورأيهم مهم لدينا في معالجة أوضاع الأحداث ونحوهم.
من جهة أخرى، هناك رفض من بعض الشرائح في المجتمع لبعض الأعمال الاجتماعية والتجارية وبعض المهن، وهذا لم يغفل عنه حيث إن هناك أبعادا مجتمعية معتبرة لدى ناظر القضية. ولكن تكمن مشكلتها في أن مساحات كبيرة من هذا الضغط قد تكون وهمية أو مبالغا فيها أو تعوزها المنطقية والشرعية أيضاً. مما يؤثر في تقبل المحكوم عليه للحكم فيضطر تحت سياط الضغط الاجتماعي للرضوخ للحكم المشدد، واطمئن الجمهور بأن هناك جوانب عدة وعناصر متعددة وجهات تنفيذية ومؤسسات خاصة تشترك من أجل إنجاح مثل هذه الأحكام فهذه البدائل تحتاج لجهد إبداعي وعمل طويل النفس للتحقق من كثير من الجوانب السلوكية والنفسية والمادية والمكانة الاجتماعية والأوضاع الطبية وتقارير دورية عن تقدم المحكوم عليه وصلاحه والتزامه بالشروط، وتحتاج لتفرغ ذهني من ضغوط العمل القضائي الهائل خصوصاً مع قلة الكوادر القضائية، وفي هذا الشان نلمس تحسنا رائعا ومشجعا فقد زيد القضاة بنسبة أربعين بالمائة حسب ما أعلنه الرئيس الأعلى لمجلس القضاء. كما تعيش وزارة العدل قفزات هائلة في الإدارة والتطوير. وكلي فأل بأن قضاءنا سيكون قريباً الأحدث على مستوى العالم والأكثر فعالية وحيوية ومرونة في ظل إقرارا الكثير من الحزم التطويرية في القضاء المتخصص والتنفيذ.
* إذا كان الأمر كذلك لماذا لا نجد إقبالا كبيراً من القضاة على اعتماد بدائل السجن؟
- ليس بالضرورة أن يكون الواقع بهذا التصور، وإنما من وجهة نظري أرى أن هذه الأحكام لم تأخذ قدراً كافياً من تسليط الأضواء والنشر.
فشخصيا لا أعرف قاضياً لم يحكم بما يمكن أن نسميه ببدائل السجن، حيث إن السجن ليس نصاً مقدسا منزلا من السماء لا يحاد عنه إنما هو اجتهاد يفعل ويترك، لكن من الممكن أن كثيرا من الأحكام لم تتح لها أن تنتشر في الصحافة بكل مصداقية مع إثرائها بكثير من المناقشات البناءة والإثراء الفكري بعيداً عن الإثارة والأدلجة.
وهل من الممكن أن نقول إن الثقة بما لدينا من عدالة أو نزاهة قضائية قد فقدت وأصبحت مهزوزة وأصبح الإعجاب بما لدى الآخرين هو المسيطر على أذهان البعض. ولقد اهتمت الشريعة الإسلامية قبل القوانين الوضعية بنظريات قضائية وحقوقية ومبادئ العدالة كمثل نظرية التعسف باستعمال الحق قبل أوروبا بخمسة قرون. فالذين يقرأون لرجال القانون الوضعي الذي لا يمت للتشريع الإسلامي بصله، ولا يقرأون الفقه الإسلامي دأبوا على أن يُعْجَبوا بكل ما نقلوه عن الآخرين على حين يتَّهِمُون الفِقْهَ بقِصَرِ نظرياته، وجُمود أحكامه. والإنسان عدو ما يجهل .
ولعل شريحة من الكتاب يعشقون التغني بأمجاد هيئات المحلفين الذين يتم التقاطهم من الأسواق والأحياء ليقولوا كلمتهم الفاصلة هل يعد المتهم مذنباً أم لا.
* من حديثك نلمس الكثير من اللوم والعتب على كثير مما يسرده ويكتبه الكتاب والإعلاميون؟
- حديثي منصب على البعض الشاذ والشاذ لا حكم له. هل من الممكن أن نقول بوجود خصومة في ثقافة الاتصال بين القضاة والإعلاميين نظراً لإعلام الإثارة، فبعض الممارسين للصحافة الصفراء يجيد القفز من فوق الحيطان ولا يرى الباب المفتوح على مصراعيه، هناك باب مفتوح مع جميع القضاة بإمكان أي صحافي أن يحضر الجلسات العلنية ويتصور القضية أو يسأل عن الحكم بعد انتهاء إجراءات التقاضي واكتساب الحكم القطعي. والنظام عالج إشكاليات النشر للأحكام القضائية. أما أن يشهر بالأطراف ويمس المتقاضين في كرامتهم وأمنهم وسمعتهم وحقهم المشروع في الحصول على العدالة فهذه خطوط حمراء.
لعل بعض الممارسين للصحافة يعشقون أن يطغى المثير على المصداقية، فهل من المثير أن تأتي بالخبر كهرم مقلوب أو تسرب التفاصيل من خلف الجدران وأثناء إجراءات التحقيق والتقاضي مما يزيد من التعقيد والاشتباك الاجتماعي للمتقاضين، ومن ثم يتعامى عن الحكم بعد اكتسابه للقطعية وتنفيذه وتعليقه على الحيطان، قد يكون شيئا من ذلك.
* ولكن البعض يقول إن القضاة لا يعرفون إلا لغة السجن والجلد ويرفضون فكرة الأحكام البديلة أو التجديد في العقوبات وإلا لما تكدس السجناء بهذه الصورة؟ هذا الرأي سمعته من كثير من المختصين بشؤون السجناء؟
- أنا أود أن اسأل من يقول هذا الرأي بسؤال واحد مفاده كم من الأحكام القضائية استطعت الاطلاع عليها لتخرج بهذا التصور، هذا تصور غير واقعي.
هذا رأي لا يستند لدراسة مسحية للوقائع القضائية، وزارة العدل تصدر سنوياً دليلا إحصائيا دقيقا وبمهنية عالية للقضايا المنظورة في محاكم المملكة وبإمكانك الاطلاع العابر على حجم ونسبة القضايا المحكوم فيها بالبراءة من الإدانة والتجريم أو صرف النظر عن المطالبة بها أو المحكوم فيها بالاكتفاء بتوجيه اللوم أو التشهير أو الغرامة المالية أو البدائل الاجتماعية. لتعمل نسبة وتناسبا مع القضايا المحكوم فيها بالسجن، لتلاحظ أن نسبة الأحكام بالسجن نسبة ضئيلة لا تذكر مقارنة بالقضايا المعروضة على المحاكم.
* هذه تحديات السجون التي فرضت نفسها والتي يقال إنكم سببها؟
- هذه تحديات السجون ولنا تحدياتنا الفريدة، تحدياتنا كقضاة تكمن في قلة الكوادر القضائية والبشرية والفنية فالمسؤولية المناطة بنا كبيرة جدا، وتعليق التكدس في السجون بعدم مرونة القضاة أعتقد بأنه معالجة غير منطقية لهذا التحدي، والذي يحتاج لدراسته من جميع جوانبه، فمن الخطأ أن تعلق الأخطاء على غيرك وتبرر صحيفتك بهذا التبرير، لا بد من قدر من المسؤولية، وكلنا شركاء في هذه المسؤولية.
فالقضاة يجتهدون كثيرا في هذه البدائل لعقوبة السجن، وهذا رئيس القضاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله وجه كثيراً بالبدائل المعنوية وقد وجه بخصوص طلب إحدى القبائل بإيقاع التعزير الأدبي والمعنوي على أحد أفرادها فقال إنه طالما أن المذكور سيرته غير حسنة وقد تعددت منه الجرائم المذكورة فإن المحكمة لا ترى مانعاً من إجابة طلب القبيلة كجزاء أدبي له ورأينا الموافقة على ما قرروه من باب التعزير، ما لم يتناول ذلك أمراً مما تقتضيه الأمور الشرعية، وأن يكون هذا إجراء مؤقتاً، ومتى تحسنت حالة الشخص وطابت سيرته رد إليه هذا الاعتبار الأدبي.
* هل هناك تنسيق بينكم وبين جهات أهلية أو خاصة لإنجاح تطبيق العقوبات الاجتماعية؟ وما هي مقترحاتكم؟
- الأحكام البديلة للسجن تتنوع من حيث التصنيف فمنها ما يحتاج إلى جهد تكاملي بين المؤسسات القضائية والتنفيذية ومؤسسات المجتمع المدني من جمعيات خيرية واجتماعية ومراكز تدريب وجهات جديدة لم تكن يعهد لها سابقاً متابعة التنفيذ، ومن هذه الأحكام ما يقتصر على متطلبات فردية دنيا مطلوبة من المحكوم عليه بصورة مباشرة وبالإمكان توفيرها مباشرة أو قد توفرت بالفعل .
فلابد من التكامل التعاوني بين هذه الجهات لأنه إذا لم يحصل التنسيق والتعاون لم تتحقق النتائج ، فلو طالب الادعاء بإيقاع عقوبة لم يتسن للقضاء دراسة أبعادها ونتائجها والاقتناع بها فإنه بالتأكيد لن يحكم بها، كما أن القضاء لو حكم بحكم لا يوجد لدى جهات التنفيذ الآلية المحققة لإيقاعه فإنه لا نفاذ لهذا الحكم ولا ثمرة له، ومن هنا جاءت منظومة عملية تكاملية لتنفيذ مثل هذه الأحكام أهمها القضاء، والادعاء وجهات التنفيذ، ومقار التنفيذ وجهات الدراسة والبحث والاستشارات وبيوت الخبرة بالإضافة إلى جهات التنظيم وإصدار التعليمات .
وقد تمت مناقشة كثير من الجوانب الإجرائية والتنفيذية والفنية حولها وقد عمم رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور صالح بن حميد تعميماً باعتماد البدائل كخيار واسع عند إصدار الأحكام.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات