القحط الفكري مرض الكُتّاب .
لايكادُ يمُرُ يومٌ على من تمرس الكتابة بشكلٍ شبه يومي إلا وتصادفه بعض من العقبات الّتي قد تثنيه عن كتابة موضوعة أو الإسترسال فيه وإكماله، وهذا ما أود تسميته (بالجمود أو القحط الفكري)
وهذا الشيء يكاد يكون من الأمور المزمنة التي تصاحب الكاتب بل وأغلب الكتاب يعانون من ذلك .
وسوف أحاول في هذا الموضوع أن أوضح بعض أسبابه وأضيف بعض الحلول المتواضعه حسب خبرتي تلك القصيرة والمتواضعة جداً والّتي لاترقى لأن تكون دراسة أو بحثاً يعتمد عليه
وإنما جهداً ذاتياً يحتمل الصواب والخطأ .فهذا ماتوصلت له بسبب معاناتي منذ فترة طويلة .
فإننا لو تتبعنا أسباب هذا المذكور لوجدنا بأنه هناك العديد من الأسباب الّتي لها علاقة بالجمود أو القحط الفكري والّتي لا نلقي لها بالاً وهي ذاتِ تأثيرٍ سلبي واضحٍ على الكاتب .
وأولها هي أن يحاول الكاتب أن يتطرق لموضوعٍ من المواضيع أثناء إنشغاله بأمور أخرى غير الموضوع المراد كتابته فتجده يكتب تارةً ويحجم أخرى لكي يحاول الخلوص إلى حلٍ لأمرٍ قد أشغله أو لموعدٍ قادمٍ ينتظره ،فبهذه الطريقة قد أشغل فكرة عن الموضوع المراد كتابته وما أن يحاول تسطير أفكاره إلا ويجدها قد أصابها العقم بل قد تباعدت طائرةً عنه ، فعلى هذا السبب تذكرت ذاك الكاتب الّذي يكتب مواضيعه وهو يتصفح الإنترنت لعدة مواقع تتجاوز (السبعة) مواقع ويقرأ حوالي (ثلاثة كتب إلكترونية) ويحرر لموضوعٍ يريد طرحه وكل ذلك في وقت واحد يتصفح هنا ويطلع هناك ويقرأ في هذه الكتب ويكمل ويكتب مقالته وبشكلٍ أشبه بالخيالي والمستحيل. فرغم التحذيرات له بأن هذا الفعل قد يضره قريباً إلا انه تجاهل هذه النصائح الأمر الّذي أوقعه بمايسمى بالجمود الفكري ولم يتخلص منه إلا بعد الإبتعاد عن تلك العادات الخاطئة أثناء التفكير بموضوعٍ معين أو كتابته بعد الحصول على الفكرة . فكثرة الإنشغال في أمورٍ كثيرة لهو من أهم أسباب تشتيت التفكير ومن ثم الجمود أو القحط الفكري . فيحاول ويحاول ولكن دون جدوى . فالحل في مثل هذة الحالة أن يفرغ باله وتفكيرة من أي شيءٍ عدا الموضوع المراد كتابته ويتفرغ له تماماً .
ومن ضمن هذه الأسباب الضوضاء ونوع المكان الّذي يجلس في الكاتب فمن الطبيعي أن يؤثر المكان في نفسية الكاتب فالمكان الهادئ والجميل والبعيد عن صخب الإزعاج المعتاد يوفرُ جواً كتابياً يتألق في ثوانيه من يبحث عن صفاء الأفكار ونقاوتها . وعلى العكس من ذلك أن يجلس في مكانٍ عام مليئاً بكافة أنواع الإزعاج المرءية والمسموعة، فمن يستطيع أن يحادث شخصاً أو أن يسمع كلامه في ظل هذه الضوضاء فضلاً عن أن يؤلف أو يرتب أفكاره، فمن المستحيل أن ترتسم الأفكار وتنصاغ في جوٍ متلوث بمثل هذه الظواهر، والحل هو البحث عن المكان والوقت المناسبين كما ذكرت في مقدمة هذه الفقرة.
ومن الأسباب أيضاً أن لاتكون عند الكاتب معلوماتٌ ودرايةٌ عن الموضوع المختار للكتابة، فمثل هذه الحالة تجعل الكاتب في حيرةٍ من أمره . والحل هو أن لايعتمد على مالديه من معلومات ، فمهما كانت غزارتها يبقى الإنسان في حاجةٍ للقراءة ولو على سبيل الإطلاع فقط . فالقراءة غذاءٌ للعقل وهي المنمي والموسع للأفق الكتابي والعلمي والخيالي للكاتب كلٌ حسب إهتماماتة ، ومنها أن يكون قد عرف تطرق غيره لِـمـا أراد الكتابة فيه فيحرص على أن لايكون موضوعه نسخةً مشابه وأيضاً يكون فيه نوعٌ من الإختلاف المثير للقراء المشجع له على أن يزيده حتى ينهيه.
ولتحديد نوعية الموضوع من البداية أو بمعنى أصح الدوافع الّتي تجعل الكاتب يفكر في طرح موضوعٍ معين أثرٌ بيِّن في تسهيل كتابته والدخول لهذا الموضوع ، فلابد ان يكون لهذا الموضوع مسببات أو مناسبة أثارت هذا الموضوع في بال الكاتب فَهَمّ بكتابته وكذلك إختيار مسماً للموضوع مسبقاً يكاد يكون مساعداً على تجاوز تلك الفكرة وكذلك مايريده من طرح الموضوع كأن يهدف لعلاج ظاهرةٍ رأها قد أستفشت في مجتمعه أو للفت الأنظار إلى أمرٍ معين هو هدفه من الموضوع، فإن ذلك لهو من أكبر المؤثرات الإيجابية لتخطي هذه العقبة . وأود أن أنبه لأمرٍ شاهدته في عددٍ من المواضيع فهناك الكثير من الكتاب يبدأ مقالته بـكلمة ( مدخل) فأنا من المنتقدين بشدةٍ لهذه الكلمة وتسطيرها في بداية الموضوع إذ أين مايسمى (بالمقدمة) ومافائدتها فهي من علامات عدم تحديد الموضوع بطرقة المعروفة ومن محاولات التغلب على عدم الحصول على رؤية واضحة للموضوع .
ومن المسببات أن يكون نفس الموضوع المراد كتابته شاءكاً بعض الشيء كأن يكون موضوعاً متشعباً وفيه صعوبة بالغة تكمن في تعدد زواياه فمثل هذه المواضيع أنصح بعدم التطرق إليهاً بتاتاً فلأن الكاتب تصيبة الحيرة المزعجة فمن أي جهةٍ يبدأ ؟ أيبدأ من تلك النقطة ؟ أم من تلك النقطة ؟ فيضيع وقته على تحديد طريقة وكيفية البداية وأن يريد مثلاً التطرق لهذا الموضوع الكبير في عدة أسطر فتتصادم الأشوار لديه فيحجم عن موضوعه ويتركه غير آسفٍ عليه ،ولي سابق تجربةٍ في هذه الجزءية كنتُ قد قررت أن أكتب موضوعًا عن (البرنامج النووي لكوريا الشمالية وتغاظي أمريكا عنها بل وبرود هذه القضية بينما تشدد على إيران وعلى الدول الإسلامية) فأخذت أبحث لمدة خمسة أيام وأجمع المعلومات عن (كوكو الشمالية) كما أسميتها في فكرة موضوعي ، وعن بداية البرنامج وعن أهدافها وعن عدد المفاعلات وعن آخر تطورات القضية ثم أخذت أقارن بين سياسات الدول الغنية ومواقفها ومقارنة تصريحاتها لكلا الطرفين . وبعد هذا البحث إكتشفت بأنني جمعت كماً هائلاً من المعلومات عن كلا البلدين المراد ذكر برامجهما النووية ، العجيب في الأمر إنني إصطدمت بمن أين تؤكل الكتف . وأخذتها قناعةً شخصية بأن على الكاتب أن لايتصدى لأي موضوعٍ يتنامى إلى تفكيره فلابد من تحديد مستوى كل موضوع هل أقدر على تغطيته بمقال أم لا . فالمواضيع تختلف عن بعضها فمن الإجحاف والظلم أن أحاول تلخيص كل هذا الكم الهائل من المعلومات والصور والخرائط بعدة أسطر تصلح لأن تكون موجزاً إخبارياً (وإليكم النشرة)، فالبعد عن هذه المواضيع وما شابهها وليس بالشرط أن تكون سياسية فهناك الكثير من الأمور المعقدة والّتي تحتاج لكُتُبْ وليس لمقال من عدة أسطر أو صفحة منه فالبعد عنها أسلم لنفسية الكاتب من أن يكتشف بانه لاطاقة له بها .
ومن الأسباب أيضا ً هي محاولة الكتابة والتعبير عما يدور في خلجات النفس ومعالجة بعض القضايا بطريقة الكتابة بالتلميح أو الخيالية المطعمة بشيء من الواقع وبشيءٍ من السخرية . وهذه من المقالات الرائجة في عالم الإنترنت وفي بعض الجرائد والمحببة لجمهور كبيرٍ ومتذوق لما يسطر في هذا المجال. فهذه الطريقة تشعر الكاتب احياناً بأن فكره قد جمد وفي الحقيقة هي ليست إلا محاولة للبحث عن مفرداتٍ ومصطلحاتٍ جديدة وغير مستهلكة وبحثٍ عن الأفضل فالواجب عدم الإستعجال وكذلك عدم إقحام النفس في غبب الخيال فهو من أشد أنواع الكتابة (إعتصاراً للدماغ) ولمحبي هذا النوع من الكتابه أنصحهم بقراءة بعض الكتب أو المقالات الّتي تنتهج هذه الطريقة للحصول على دفعةٍ ذهنية أو أشبه مايكون بمعونه لتخطي مايعانيه الكاتب .
وأنا أحرر هذا الموضوع تذكرت ذلك الطبيب والّذي ذهبت إليه لكي أحصل على علاجٍ لنزلة بردٍ قد ألمت بي ، فبعدما كشف علي أخذ وصفةً طبية وكتب لي كما هي عادتهم (البراستيمول) وبعدما ناولها لي أخذ بالسعال الشديد فسالته قائلاً: سلامتك أيها الطبيب . فأجابني : سلّمك الله ولكن نزلة بردٍ عابرة منذ خمسة أيام.
فهذه هي حالتي على أنني شخصت وحاولت أن آتي بالعلاج ووصفت ما وصفته من واقع خبرتي المتواضعه ، إلا أنني عانيت من هذا (القحط الفكري) عند كتابتي لهذا الموضوع . فلا نقلق عندما نجد أنه ببالغ الصعوبة نجد الفكرة وببالغِ صعوبةٍ أخرى نسطِّرُها . فهذه حالة تمر وسوف يتعافى الفِكْرُ منها .
فالكاتب والشاعر يعانيان من نفس هذه المشكلة في أحايين كثيرة.
أكرر ما قلته في بداية هذا المقال بأنه لايبنى على أن ما سطرته هو بحث بل محاولة لمعرفة المسببات وتشخصيها وعلاجها من منظوري الشخصي المتواضع . وسوف أحاول جاهداً فيما بعد بإعداد دراسة عن هذه الظاهرة إن صحة التسمية على ذلك وسوف أزودكم بها في حينه .
والسلام عليكم ،،،،
المفضلات