نساء يعانين من «أشباه الرجال»بسلبهن أقل حقوقهن

الرياض 17-كانون الاول-2010
«قوامة الرجل على المرأة».. تكليف أم تسلط؟

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

الخبر ، تحقيق - عبير البراهيم
تثبت قوامة الرجل على المرأة حينما يكون أباً، أو زوجاً، أو أخاً، أو ابناً، في الحالات الاعتيادية، حيث ترى المرأة أنها تعود إلى الرجل في كل أمورها حينما يكون قواماً عليها، إلا أن هناك من الرجال من يسيء لقوامته على المرأة حينما يعرضها ل «الاضطهاد» أو «الاحتقار» أو سلبها حقوقها باسم تلك القوامة، ومن ذلك المنطلق خرجت بعض النماذج لسيدات كن ضحايا تسلط الرجل في الحياة بسلبها حقها في «التعليم» أو «الإرث» أو «امتلاك المال»، الذي قد يأتي من وظيفتها الخاصة، وربما سلب الرجل المرأة حتى في حقها في تسميتها أبنائها، وجميع ذلك باسم القوامة!.
فما حدود القوامة التي يحق للرجل أن يكون من خلالها مسؤولا عن المرأة بتحديده للخطوط العريضة في حياتها، من دون المساس بحقوقها الإنسانية؟، وهل هناك أمور يحق للمرأة التصرف بها وأخذ القرار فيها من دون الرجوع للرجل؟، وما بعض الصور السلبية لقوامة الرجل على المرأة؟.

أرفض القوامة


د. الهاشم: « الرجل العاقل» من يوزان بين مسؤولياته واحتياجات المرأة

في البداية تقول «أم محمد»: طوال حياتي كنت أسيرة لقوامة غير عادلة من الرجل، فقد ظلمني أبي حينما حرمني من حقي في التعليم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، فقد كنت أرغب في أن التحق بالمدرسة لأصنع من نفسي شيئاً، لكنه كان يرى بأن الفتاة ليس لها إلا البيت، فمكثت أخدم في بيت والدي حتى بلغت 18 عاماً، ليتم زواجي على أول طارق لبابنا، مضيفةً: «لم يكتف والدي بذلك الزواج الذي لم يكن عادلاً، حيث أن زوجي يكبرني بعشرين عاماً، كما أنني الزوجة الثانية له، بل ظلمني والدي حينما سلب مهري بأكمله، ولم يمنحني منه سوى قطعة قماش وعباءة سوداء، فشعرت بأن ملكيتي انتقلت من عقد أبي إلى عقد زوجي، الذي حولني في بيته إلى مجرد خادمة لأبنائه الذين كان منهم من هم في سني ثم لزوجته التي كانت في سن والدتي، فلم يكن لي أي حقوق بل إنني حينما طلبت من زوجي إكمال تعليمي سخر مني وأخبرني بأن مهنتي في بيته الطبخ والتنظيف وإنجاب الأبناء، فلم يسمح لي بتحديد أعداد أبنائي فأنجبت 11 ابناً، لم يسمح لي بتسمية واحد منهم، وعاش يسقط علي مختلف الإهانات والسباب، وأحياناً الضرب بأي شيء أمامه، حتى بأطباق الطعام، حتى أصبحت أكره قوامة أي رجل علي»، متمنيةً ألا تدخل بعد أن خرجت من قوامة أبيها إلى زوجها الظالمين إلى قوامة أبنائها الذكور بعد وفاة زوجها؛ لأنها أصبحت تخشى ظلم «الولي» باسم القوامة، حتى إن كان القوام عليها من ابنها.
مدونة الأحوال الشخصية


شريفة: الحقوق يجب أن تكون ضمن مدونة الأحوال الشخصية

وتتحدث «شريفة الشملان» مشرفة القسم النسائي بهيئة حقوق الإنسان في الشرقية: لكي نتكلم عن القوامة، لابد لنا من تقديم تعريفين واضحين، الأول معنى القوامة، والثاني من هو القوام؟، صفاته، درجة القرابة، ومن هو الأولى به؟، ولمن لابد أن تكون القوامة؟، وعلى من تكون؟، كل ذلك لابد من تقديم إجابات واضحة عليها، قانونياً وشرعياً، مضيفةً أن هناك أسئلة أخرى لابد من توضيح إجاباتها منها: متى يجب سحب القوامة؟، ومن يملك الحق في سحبها؟، ذاكرةً أنها لا تريد أن تجيب عن الأسئلة بأسئلة، لكن هذا هو الذي يجب أن يكون واضحاً وصريحاً، مشيرةً إلى أن الذي يجب أن نجد له الإجابات في مدونة للأحوال الشخصية، سيزيل اللبس عن كثير مما يعترض حياة المواطنين والمواطنات، عندما تتداخل الأمور وتتشابك ما بين قرابة الدم، واستثمار هذه القرابة بما لا يحقق العدل، خاصةً عندما يتم استغلال ما شرعه المولى لنشر الرحمة والعدل ونشر الحماية والرحمة لعكس ذلك.

حل المشكلة
وأوضحت «شريفة الشملان» أننا كمعظم المجتمعات البشرية نجد الطيبين محبي العدل والساعين بالخير، ونجد بعض من يستغل لكونه قواماً ليسلب ويكسب كسباً حراماً، ذاكرةً أن هناك من كان ولياً يساعد أخته وأمه وابنته، أو من يكون ولياً عليها بحكم الشرع على استقلالها ودعمها لتفجير إبداعها الأدبي والعلمي، ومن ثم يقف معها في أخذ حقوقها وتنمية دخلها، ومنهم من يستغل تلك القوامة وحاجة السيدة لتوقيعه على ورقة السفر الخاصة بها، فيطالبها بمبالغ مقابل ذلك، كما أن هناك من يعضلها عن زواج استغلالاً لراتبها، مؤكدةً أنه إن كان هناك مشكلة، فهو بالنساء أنفسهن حين يسكتن ويستسلمن، أما من تصل لنا في هيئة حقوق الإنسان فنحن نساعد على حل مشكلتها ودياً أولاً، وان لم يحدث فإننا نتصرف حيال ذلك.

لا تسرق الحق


منى: ممارسات ذكورية لا نعرف حدودها.. وواقعها مخجل غالباً

وأشارت «شريفة الشملان» إلى أنهم استطاعوا في هيئة حقوق الإنسان من استخراج جواز سفر لفتيات رفض «عمهن» سفرهن للدراسة إلا بدفع مبالغ كبيرة، حيث دفعت القاضي لرفع وصايته، مضيفةً أن هناك طبيبة رفض والدها سفرها ببعثة واستطعنا التفاهم معه بالحسنى، كذا في مسائل الزواج فقد انهينا كثيراً منها، وذلك ما يحدث للحالات التي تصل إلينا، مشيرةً إلى أن هناك كثيراً مما لا يصل إليهم ولا للشئون، بل لا يطلب المساعدة ويذعن، مشددةً على ضرورة أن تكون الحقوق واضحة ضمن مدونة الأحوال الشخصية، وضمن المفهوم للقوامة التي لا تسرق الحق بالتعليم والحياة وتكوين الأسرة.

مقاييس رجالية
وترى الكاتبة «منى المالكي» في صحيفة «عكاظ» أن مناقشة موضوع القوامة يحتاج إلى كثير من المعرفة والحكمة والاتزان عند الحديث حوله، وهذا للأسف ما نفتقده داخل واقعنا، فهناك من يرى أن لا قوامة، أو قوامة مفرطة مغالية، وفي كلا الحالتين هذه ليست القوامة، مبينةً أن القوامة أمر شرعي إسلامي لا جدال فيه، ولكن ما القوامة الحقيقية داخل النص القرآني؟، وما حدودها؟، وكيف هي في واقعنا المجتمعي؟، هذا ما يراد له التحديد والتأطير، لافتةً إلى أن ما نراه هو تسلط من قبل الرجل على المرأة باسم القوامة، في الزواج الذي يصل إلى حد «العضل»، أو في الميراث بدعوى أنها امرأة والمرأة لا ترث، أو حتى في الأنظمة لدينا وهذا واضح جداً في الوظائف أو مراكز صناعة القرار والابتعاث، أو القروض الحكومية من بنك العقار مثلاً، متسائلةً: هل لابد أن أكون أرملة أو مطلقة حتى يحق لي الاقتراض، بينما يقترض ابني وتمنع ابنتي، لذلك نرى الأنظمة لدينا وللأسف بمقاسات رجالية.

شريك حقيقي
وتتسائل «منى المالكي» مرة أخرى وتقول: ما المسوغ الحقيقي وراء ذلك كله؟، لتأتيك الإجابة حارقة صادمة القوامة، عندها تختلط الأمور عليك، فالقوامة ممارسة ذكورية في معظم حالاتها ضد المرأة من قبل من لا يعرف ما حدودها داخل النص القرآني، التي تركز في الانفاق على المرأة ومراعاتها والعمل معها كشريك حقيقي في صناعة الحياة، لذلك لابد من إجلاء ما أُلصق بالقوامة من عادات وتقاليد ليست أصلاً في الشريعة الإسلامية.

تكليف وليست تشريف
ويوضح «د. عبدالرحيم الهاشم» أستاذ الفقه المشارك بكلية الشريعة، بأن قوامة الرجل الذي نص عليه القرآن قوامه عامة تشمل جميع النساء، سواء كانت زوجة أو ابنه أو أخت، والقوامة هنا تأتي تكليفاً للرجل أكثر من كونها تشريفا، كما أنها تكريم للمرأة وليس احتقاراً لها، حيث راعى الإسلام طبيعة المرأة، وما جبلت عليه من العاطفة والتغيرات الجسدية من ولادة وغيرها التي تؤثر في نفسيتها، فهناك كثير من القصص النبوية التي تدل على ضرورة تولي الرجل القوامة على المرأة، ومن ذلك قصة «بنات شعيب» حينما قالت إحداهن في قوله تعالى: «لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير»، مضيفاً أن النساء لم يكن يختلطن مع الرجال في السقي حتى سخر الله لهن «موسى» عليه الصلاة والسلام ليسقي لهن، فالقوامة تخفيف وتكريم للمرأة من أعبائه التي تتولاها خارج البيت، والمرأة مسؤولة في بيت زوجها عن ماله وولده.

عاقل ومكلف
وأكد «د. الهاشم» أن قوامة الرجل على المرأة محدودة بحدود شرعية، التي من أهم شروطها أن يكون الرجل عاقلاً، فالذي ليس بعاقل لا يولى بل لابد من توفر قوامه عليه، فالرجل لا يكون ذا قوامة إلا حينما يكون رجلا عاقلا وصالحا ومكلفا وليس بفاسق، مبيناً أن الحدود تشتمل أموراً كثيرة منها النفقة والرعي والطاعة في غير معصية الله سبحانه، وكذلك في مال المرأة، فالرجل هنا لا يمنع المرأة من التصرف بمالها، ولكن عليها أن تعود إليه باستشارته حينما ترغب في التصرف بمالها، وعلى الرجل العاقل هنا أن لا يمنع الزوجة من التصرف بمالها كيفما ترغب، ولكن يقوم بدور التوجيه والنصح لها، إلا أنه لا يحق له أن يتصرف بمالها كيفما شاء، مشيراً إلى أن ما يفعله بعض الأزواج من استحواذ على راتب زوجته الموظفة، أن ذلك لا يحق له، وذلك لا يدخل فقط في راتب الزوجة بل كذلك في مهرها، فلا يحق لوليها التصرف بمهرها والأخذ منه إلا بأذنها.
أما عن قوامة الرجل في تحديد علاقات المرأة الاجتماعية ومدى تواصلها مع الآخرين، كزيارتها لوالديها وأسرتها، فأكد «د. الهاشم» أن للرجل الحق في تحديد ذلك، فلا يجوز لها الخروج إلا بإذنه ما لم يقصد الإضرار بها، فالزوج لا يحق له منع زوجته من رؤية والديها على سبيل المثال مطلقاً، فإذا مانع من دخولهما بيته، فإنه عليه أن لا يمانع من رؤيتها لهما في مكان آخر، خاصةً أن هناك بعض الأمهات تدفع ابنتها لعصيان زوجها، فهنا يحق للرجل منعها من والديها، ذاكراً أنه لا يحق للرجل إجبار زوجته على الذهاب إلى بيت أهله، فذلك ليس من حدود قوامته،