هل أصيبت بغداد بالسكتة القلبية؟!
"بغداد مصممة على جعل مغول العصر ينتحرون على أسوارها.." هكذا نطق صدام حسين ، ووعد بها شعبه والعالم منذ اندلاع الحرب (الأنجلوـ أمريكية) على العراق في العشرين من الشهر الماضي ، ومرت الأيام و أظهر العراقيون مقاومة صلبة أذهلت العالم أجمع ، وتوقع العالم أن يغرق الأمريكان في المستنقع العراقي ؛ حتى جاءت معركة بغداد الفاصلة ، وحدث ما لم يكن في الحسبان .. سقطت بغداد في ليلة وضحاها وكلف دخولُها قواتِ الغزو ستةَ جرحى فقط ، واختفي صدام وأعوانه ..! ، وبات الرئيس العراقي المختفي لغزاً محيراً ، وتعددت الروايات حول وجوده وحقيقة دوره ، وحقيقة ما جرى في العراق وبغداد خاصة ، حيث سيُسجَل يوم التاسع من أبريل عام2003 كنقطة تحول هائلة في تاريخ العراق, وربما في تاريخ منطقة الشرق الأوسط برمتها!! وثارت التساؤلات أين القوات العراقية ؟! أين الحرس الجمهوري ، والحرس الخاص؟! أين مليشيات فدائيي صدام ، وجيش القدس ، وكوادر حزب البعث المسلحة...؟!
أسئلة كثيرة ومريرة ثارت في أذهان العالم كله ، وهو بكل الدهشة يتابع ما تنقله شاشات التليفزيون على الهواء مباشرة : من اقتحام القوات الأمريكية لوسط بغداد ، وتجوالها في الشوارع بأمان تام, وعلى مدى ساعات تابع الجميع سقوط تمثال صدام الضخم المهيمن على الساحة التي يطل عليها فندق فلسطين في مغزى له دلالاته التي تشير إلي أن الحرب ضد العراق قد اقتربت من نهايتها, وأن النظام العراقي قد فقد سيطرته على إدارة أمور البلاد التي يبدو أنها لن تعود, وأن ذلك الإصرار من الجموع العراقية الضئيلة على إسقاط التمثال يلخص قصة الحرب وما بعدها ، خاصة وأن الأنباء عن مكان وجود صدام حسين ، وتعدد سيناريوهات وتخمينات مصير صدام حسين ما بين روايات ترجح مقتله في القصف الأميركي إلى توقعات بهربه إلى تكريت مسقط رأسه ، أو تهريبه إلى خارج البلاد خاصة سوريا أو روسيا.
سيناريوهات مختلفة
وفي هذا السياق، قالت تقارير غربية : إن الرئيس العراقي لجأ إلى السفارة الروسية التي عاد إليها فجأة السفير( فلاديمير تيتورينكو) بعد أن كان غادرها إلى دمشق ، وتعرض موكبه لإطلاق النار ، وأصيب خلاله دبلوماسي وسائق.
ونفت روسيا صحة هذه المعلومات التي نسبتها تقارير غربية إلى رئيس مجلس النواب اللبناني( نبيه بري) وقالت: إنه أعلن فيها أن الرئيس العراقي صدام حسين قد يكون لجأ إلى مجمع السفارة الروسية في بغداد.
وقالت التقارير: إن رئيس مجلس النواب اللبناني (نبيه بري) كان أول من أشار إلى احتمال لجوء صدام إلى السفارة الروسية. ونقلت عنه إشارته في هذا السياق إلى أن عودة السفير الروسي في بغداد( فلاديمير تيتورينكو) إلى العاصمة العراقية الثلاثاء. وأشارت-أيضا- تقارير غربية إلى أن الرئيس العراقي قد يكون وصل إلى العاصمة السورية برفقة السفير الروسي (تيتورينكو) الذي وصل دمشق الاثنين.
وكان السفير الروسي قد عاد إلى العاصمة العراقية، وفي نيته في الظاهر إخراج سائق يعمل في السفارة كان قد جرح خلال إطلاق النار على الموكب الذي كان مغادراً العراق، بالإضافة إلى دبلوماسي آخر بقي في بغداد للاعتناء بالسائق الذي نُقل للعلاج في إحدى مستشفياتها.
وهناك رواية أخرى حول مصير صدام والقيادة العراقية نقلتها قناة "الجزيرة" عن مسؤول في الاستخبارات الروسية تقول : إن الرئيس العراقي وبعض القيادات يفاوضون ضباطاً في وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية "سي.أي.أيه" على الاستسلام حقنا للمزيد من الدماء مقابل توفير ممر آمن لهم خارج العراق.
وقالت القناة نقلا عن رجل الاستخبارات قوله : إن هذه المفاوضات تفسر سبب غياب الجيش العراقي والحرس الجمهوري عن الدفاع عن بغداد ، وسهولة دخول القوات الأمريكية للعاصمة بغداد.
أما الرواية الأميركية فهي ترجح مقتل صدام ، وقد نقلت صحيفة "واشنطن تايمز" عن مسؤولين حكوميين أمريكيين قولهم : إن عدة مصادر استخباراتية رأت صدام حسين يدخل المبنى الذي قصفه الطيران الحربي الأميركي في بغداد. ووصف البنتاجون هذه الضربة على أنها "فعالةٌ جداً" ، من دون أن يؤكد بشكل قاطع مصير الرئيس العراقي.
وقال مسؤول أوردت تصريحه الصحيفة : إن كثرة الشهادات التي أفادت أن صدام حسين دخل المبنى من دون أن يخرج منه قبل تعرضه للقصف تشير على ما يبدو أنه قُتل ، وأوضح مسؤول عسكري آخر - طلب عدم الكشف عن هويته- "يقولون إنه قُتل من دون شك" ، لكن مسؤولا في الاستخبارات الأميركية شدد على أنه من المؤكد أن مسؤولين كباراً في حزب البعث والاستخبارات العراقية قُتلوا في القصف ، لكن يبقى التأكد ما إذا كان صدام حسين بين الضحايا. وللتوصل إلى هذه النتيجة يجب انتظار نتائج تحاليل عينات من الحامض الريبي النووي المنقوص الأكسجين (دي .إن. أيه) التي أخذت من المكان ، أو من خلال رصد الاتصالات الهاتفية. وأوضحت الصحيفة أن عملاء من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي .أي. أيه) ، وجاسوسا جندته الـ(سي. أي. أيه ) ، وعناصر من وحدة "دلتا" في الجيش الأميركي كانت تراقِب تنقلات صدام حسين.
واتصل أحد هؤلاء بالمقر العام لـ(سي. أي. أيه) قرب واشنطن الذي نقل المعلومات إلى القيادة الأميركية الوسطى ، وبعد 45 دقيقة على ذلك تمت عملية القصف.
وقد أعلن البيت الأبيض ووزير الدفاع (دونالد رامسفيلد) جهله بمصير ومكان وجود صدام حسين. وقال (رامسفيلد) رداً على سؤال حول مصير صدام : إنه قد يكون تحت نفق ، أو جثة هامدة ، أو أن يكون بصحة جيدة ، ويتنقل من مكان إلى آخر.
غير أن (رامسفيلد) لمّح إلى إمكانية انتقال بعض القيادات العراقية إلى سوريا ، وقال تصلنا تقارير عن انتقال الناس من و إلى سوريا بسهولة.
إضافة إلى ذلك فإن للمعارضة العراقية روايتها الخاصة ، فقد أعلن أكثر من مسؤول في المعارضة أن صدام وحاشيته فروا إلى تكريت.
وأعلن ناطق باسم المؤتمر الوطني العراقي أن كبار القادة العراقيين غادروا بغداد ، ولجؤوا إلى تكريت . وقال (أحمد أغا الجلبي) الناطق باسم المؤتمر الوطني العراقي ومقره لندن : إنه لا يعرف مصير صدام حسين. وأضاف أن معظم القادة "غادروا بغداد وتوجهوا إلى منطقة تكريت حيث الملاجئ المحصنة ومخابئ الأسلحة".
تلك هى الروايات المختلفة عن مصير صدام حسين ..، ولكن ما السر وراء الانقلاب والانهيار السريع والمفاجئ للمقاومة العراقية ؟ وما هو المصير الأرجح والمحتمل للرئيس العراقي؟
( الإسلام اليوم ) طرحت تلك الأسئلة وغيرها على الخبراء الاستراتيجيين والعسكريين .
مقاومة قوية
يقول الخبير العسكري (عبدالمنعم كاطو) : ينبغي التأكيد على أن القوات العراقية قد بذلت أقصى جهدها في حدود الإمكانات المتاحة لها, وصمدت وحاربت ودافعت عن العراق بكل فئاتها من الحرس الجمهوري والمليشيات ، على اختلافها إلى جانب القوات العراقية النظامية ؛ ولكن توازن القوي الذي كان في مصلحة القوات الغازية غير مفهوم الدفاع لدي القوات العراقية لاعتبارين مهمين أولهما: أنه مازال عالقا في أذهان المقاتلين العراقيين ـ وخصوصا الحرس الجمهوري ـ ما حدث لهم خلال حرب الخليج الثانية عام91, وهذه القوات تعلم تماما أنها تخوض معاركها بما تبقى لها من سلاح خلال تلك الحرب, وهي تدرك أنه بقدر ما كانت معركة الكويت فاشلة بالنسبة لها, فإن المعركة الحالية سيكون مصيرها الفشل قياساً بأنها كانت أقوي ، ومعنوياتها أعلى إبان غزوها الكويت. أما النقطة الثانية فتتعلق بالشعب العراقي نفسه, الذي حاولت قوات الحرس الجمهوري أن تتخذ منه دروعا بشرية بتمركزها داخل المناطق المدنية ، مما أوقع إصابات كثيرة بالمدنيين, وعلى ذلك يمكننا أن نتخيل أنه حدث اتفاق ضمني بين الشعب وقواته المسلحة على أن هذه المعركة خاسرة ، وأن النظام العراقي يقودهم جميعا إلى محرقة ؛ في الوقت الذي أخفي فيه هذا النظام مكانه وقام بتحصين نفسه داخل حصون يصعب الوصول إليها, فوجد الشعب والجيش أنهما المستهدفان ، وأن النظام ورموزه فقدوا السيطرة ، ولم يعد لهم وجود إلا من خلال لقطات مصورة سلفا على شاشات التليفزيون ، فأثّر كل ذلك بالسلب على الروح القتالية لدى الجميع ، وأخذت هذه الروح تضعف شيئا فشيئا تحت تأثيرات نفسية رهيبة ، وعندما دقت القوات الأمريكية أبواب بغداد لم تجد هذه القوات ما تقاتل من أجله ؛ فالنظام لا يهمه إلا نفسه ؛ حتى لو ذهب الجميع إلى الجحيم!!
وفي هذا الإطار أشارت التصريحات التي صدرت عن القيادة المركزية الأمريكية إلى أن هناك الكثير من الوحدات العراقية المسلحة قد طلبت التسليم ، أبرزها القوات التي كانت موجودة بمنطقة العمارة , بالإضافة إلى العديد من المواقع الأخرى , في الوقت الذي لازالت فيه بعض القوات الموالية للنظام تقاتل فيما يمكن تسميته بالمقاومة غير المنظمة ، ذات التأثير المحدود في سير العمليات ، بينما تناقلت الأنباء قيام أفراد بعض الوحدات العراقية بارتداء ملابس مدنية ، وإخلاء أماكنها دون أن تشترك في أي قتال, وثمة احتمال آخر يتردد على ألسنة المحللين العسكريين وهو أن يكون صدام قد دفع بقواته الرئيسية للجنوب في البصرة والناصرية ، والوسط في النجف وكربلاء, وأوهم العالم بأن معركته الرئيسية في بغداد ، على أمل أنه بتأثير الخسائر في جانب القوات الغازية من الممكن أن تتفاوض معه قبل اقتحام بغداد!!
أين أبناء صدام ؟!
سؤال آخر تردد على ألسنة الجميع ، وأضافوا له: أين نجلاه عدي وقصي؟ وأين مجلس قيادة الثورة ؟ وأين الوزراء؟!
يجيب (عبد المنعم كاطو) لو عدنا إلى الوراء نجد أن القيادة العراقية قد فقدت بالفعل سيطرتها علي الموقف مع أول صاروخ تم إطلاقه على بغداد في الرابعة والثلث من فجر20 مارس الماضي, بعدها لم يظهر صدام حسين إلا من خلال أشرطة تليفزيونية ثلاث مرات, ويرجح أن تكون هذه الأشرطة مسجلة ، ولم تجر إذاعتها في يوم تصويرها , ثم ظهر بديل له يتجول في بغداد مرة أخرى ، أما نائبه (طه ياسين رمضان) فلقد ظهر في مؤتمر صحفي3 مرات ، ووزير الدفاع 4 مرات ، أما وزير الإعلام (الصحاف) فكان الاستثناء الوحيد, حيث كان دائم الظهور.
ثلاثة احتمالات
ويضيف :لا يبقي إلا التوقع بأن مصير صدام حسين يقع بين ثلاثة احتمالات: إما أن يكون قد قتل في إحدى هذه الغارات ، أو أنه مصاب إصابة مقعدة وموجود في مكان ما للعلاج ، أو أنه هارب داخل البلاد أو خارجها!!
ولكن ما تؤكده كل الاحتمالات أن الرئيس الأمريكي بوش حريص على ألا يتكرر له ما حدث مع (أسامة بن لادن) في أفغانستان ، والذي تمكن من الهرب نظراً لطبيعة أفغانستان الجبلية ، ولعدم سيطرة الأمريكيين على المنافذ التي يمكن أن يهرب منها, عكس الوضع الموجود بالعراق ، الذي يتميز بالتضاريس السهلة والمسطحة ، وعمليات السيطرة الضخمة التي تديرها القوات الأمريكية فوق مسرح العمليات ، وبكل الوسائل.
الصفقة
ويشير اللواء (كاطو) إلى أن ما يقال عن صفقة عقدتها القيادة العراقية مع القيادة العسكرية الأمريكية ؛ لضمان سلامة صدام ورموز النظام في مقابل سحب القوات العراقية من بغداد وغيرها ، ومنعها من الاشتباك معها ؛ لتدخل القوات الأمريكية آمنة إلي العاصمة العراقية.. فإن ذلك يأتي من قبيل التقدير الخاطئ للأمور, ولا يمت للوقائع بصلة للأسباب التالية: أولا: إن طبيعة النظام العراقي لا تتماشى إطلاقا مع أسلوب توقيع اتفاقات سرية خاصة في الظروف الحادة والحرجة للحرب ، كما أن هذه القيادة أصبحت لا تدير الحرب ، ومن لا يدير الحرب لا يمكن أن يفكر في الاستسلام ، ولكن يترك نفسه للعواصف تطيح به لعلها تبعده ـ بضربة حظ ـ عن الخطر!
ثانيا: إن الصفقة تحتاج إلى تفاوض ، والتفاوض يحتاج إلى مفاوضين، والقوات الأمريكية لم يكن لها أن تترك أي مفاوض يصل إليها لحال سبيله.. كانت على الأقل ستقوم باعتقاله واستجوابه في محاولة لمعرفة أين تختبئ القيادات العراقية ، وبالطبع لم تكن هذه القيادة لتتفاوض معه لأنها تعلم تماما أنها ضمنت النصر!!
ثالثا: إن النظام العراقي ـ من وجهة نظر الرئيس بوش ـ وطبقا للمهمة المكلفة بها القوات الأمريكية, هي إزاحة النظام العراقي وتدميره ، أو القبض عليه حيا, ومخالفة بوش لهذه المهمة ستضعه- شخصياً- في مأزق ؛ علي أساس أنه يقوم بمقايضة أمن الولايات المتحدة نفسها.
رابعا: كيف يتسنى لصدام حسين أو القيادات العسكرية العراقية توصيل الأوامر للوحدات والجنود في الميدان بأن يكفوا عن القتال وهي لا تمتلك عناصر الاتصال والسيطرة اللازمة لإدارة المعركة ؛ بل لا تمتلك أي نوع من السيطرة علي الأراضي العراقية , لأن الإجراءات التي قامت بها القوات الأمريكية خلال أسابيع الحرب , عطلت تماما كل أجهزة القيادة والسيطرة العراقية ، وحتى علي فرض أن صدام حسين أو قيادته قد أوصلت تعليماتها لقواتها, فما هي المناطق المحددة لتجمعهم ، أو إخفاء أسلحتهم؟! إن مثل هذه العمليات غالبا ما يصاحبها نوع من الفوضى ، كان ستكتشفه علي الفور وسائل الإعلام الموجودة تقريبا في كل مكان من بغداد.
أخطاء عدة
ويشير الخبير الاستراتيجي (اللواء حسن الجريدلي) أن ما حدث يوم الأربعاء -9 أبريل عام2003- لم يكن مفاجئا, وكان محصلة للعديد من الأخطاء التي وقعت فيها القيادة العراقية ، وتتلخص فيما يلي :
(1) استنادها إلى فكر عقائدي ديكتاتوري على مدي35 عاما, شدد خلالها حزب البعث قبضته على السلطة ، وحكم البلاد بيد من حديد, وبخبرات انقلابية متعددة وضع لنفسه مقومات تكفل له عدم السقوط أبداً على يد شعبه مهما تكن كراهيته له ، وخلال هذه الفترة الطويلة استمرت الأزمات التي افتعلها هذا النظام ، سواء مع جيرانه أو حتى أشقائه العرب البعيدين جغرافيا عنه, وامتدت هذه الأزمات لتشمل العديد من دول العالم ، كما قام هذا النظام بإدارة حروب داخلية طويلة ؛ خاصة ضد أكراد الشمال في أوائل السبعينات ، ومنتصف الثمانينات ، وأوائل التسعينيات, كما أدار حروبا ضد الشيعة في الجنوب طوال فترة بقائه في الحكم.
(2) إن النظام العراقي دخل في حروب مختلفة ، استمرت23 سنة متوالية , متعاقبة ، منذ ارتقاء صدام حسين السلطة في عام79 وحتى الآن, كما أن تقديراته للسياسات والاستراتيجيات والمواقف اتسمت دائما بالوقوع في أخطاء فادحة ، سببها عدم مواكبته للمتغيرات الدولية ، وانغلاقه علي نفسه , وعدم مسايرة التقدم العالمي في شتي المجالات.
(3) لقد بات واضحاً أن ولاء الشعب العراقي للنظام الحاكم لم يكن من منطلق الولاء والتفاعل القائم علي الاحترام ؛ لكن بفعل القهر، وبالتالي وعند أول اختبار لصلابة العلاقة بين الشعب والنظام لمس الجميع هشاشتها ، وتداعياتها ، وما صاحبها من عدم مبالاة الشعب بما جرى ويجري بين قوات موالية لنظام ؛ تكرهه! ، وقوات غازية طامعة في الاستيلاء علي ثروته.
(4) إن الاستراتيجية الدفاعية التي تبناها النظام العراقي لمواجهة الغزو (الأمريكي ـ البريطاني) لم يكن باستطاعتها الصمود ، لأن الدفاع عن الدولة يبدأ من حدودها الدولية ؛ وليس من عاصمتها, كما لم تراع هذه الاستراتيجية عدم التوازن بين القوة المهاجمة وقدراتها الدفاعية, وبالتالي سمحت منذ أن بدأت المعارك - وحتى هذه اللحظة - للقوات المعادية بامتلاك عنصر المبادأة الضروري واللازم لتحقيق أية انتصارات.
السكتة القلبية
في صباح الأربعاء الماضي, أصيب النظام العراقي بالسكتة القلبية ـ علي حد وصف اللواء متقاعد (حسن الجريدلي) - :
"كان الشعب العراقي يتوقع كالعادة أن تأتى الضربات الصاروخية والجوية من السماء, فإذا به يرى القوات الأمريكية تتحرك فوق الأرض ، وداخل العمق في بغداد, دون أن تصادف أي مقاومة تذكر..، فأصيبوا بنوع من الصدمة ؛ جعلتهم مشوشين بشأن التعبير عن مشاعرهم.. اختفي وزير الإعلام - الذي كان رمزا للنظام والسلطة- واختفى الذين كانوا يطمئنون إليه, فإذا بهم يشعرون أنهم قد أصبحوا في الساحة وحدهم في مواجهة المدافع الأمريكية بعد أن هرب النظام ورموزه بمن فيهم (الصحاف) نفسه, عمت الفوضى وتصاعدت أعمال النهب والسلب، ولم يعد هناك تفكير فيما يمكن أن يحدث للعراق.
ولذلك يطالب (حسن الجريدلي) بأن تكون للعراقيين وقفة ، يفكرون خلالها في كيفية إعادة السيطرة علي العاصمة والعراق كله, وفي ذلك يمكن للشيوخ ورؤساء القبائل والعشائر والشخصيات - التي تحظى بقبول في الشارع العراقي- القيام بدور في تهدئة الناس, لحين تولي حكومة من أبناء العراق إدارة الشؤون اليومية ، علي الأقل في المرحلة الأولي.
كما يشير (الجريدلي) إلى حالة الفزع والرعب التي تملكت الشارع العربي, لأنه ليس من السهولة أن يتصور أحد هذا الانهيار السريع لدولة عربية كبري مثل العراق.
صفقة برعاية روسيا
أما اللواء متقاعد (عثمان كامل) فيري أنه من المتصور أن تكون قد تمت تسوية برعاية روسيا, بعد أن تأكد صدام أنه لن يستطيع الصمود لأكثر من 21 يوما, جرى خلالها قصف العراق بنحو25 ألف صاروخ ومئات الآلاف من الأطنان المتفجرة, التي حملتها القنابل التدميرية التي زودت بها الطائرات خلال30 ألف طلعة جوية, في الوقت الذي لا تستعوض فيه القوات العراقية أي نوع من الذخائر والمعدات التي تفقدها, فضلا عن نقص الإمدادات وقطع خطوط المواصلات والاتصالات, وقد يكون وراء هذه الصفقة ـ والكلام مازال لعثمان كامل ـ إحساس الأمريكيين والبريطانيين بأنهم رغم تفوقهم قد لحقت بهم خسائر بشرية كبيرة يمكن أن تصل إلى ما لا تستطيع أن تتحمله خلال مرحلة اقتحام بغداد
مصور من أجـــل قبيلة بلـــيموقع مصور بلي اضغط هناالموقع الاولالموقع الثاني
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات