السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومازلنا مع "الأسرار الجمالية في القرآن الكريم"
في قول الله تعالى في سورة البقرة
" وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ "
وفي سورة الأعراف
" إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ "
الإنبجاس هو بداية الظهور. فلماذا في سورة البقرة قال: انفجرت وفي الأعراف قال:انبجست؟
قال بعضهم كزمخشري: إن سورة الأعراف سورة مكية فهي في بداية الدعوة، فلذلك قال تعالى: فانبجست، بينما سورة البقرة سورة مدنية فالآن انتشار الإسلام، فلذلك قال تعالى: فانفجرت.
لكن ما هو أحسن من هذا هو أن الله تبارك وتعالى في سورة الأعراف قال:" إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ " عندما طلبوا من موسى وهو المخلوق قال: فانبجست، وهذه إحدى العطايا، ونعمة من النعم، لكن عندما نسب الله عز وجل الطلب إليه فذكر نعيم أعظم فقال تعالى في سورة البقرة:" وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ " فموسى هو الذي طلب من الله عز وجل،
فعندما كان الطلب من الله أتى الخير سابق أتى إلى هذه الأمة، فقال تعالى:" فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً ".
إذا كان السؤال من العباد فقد يأتي بالخير ولكنه ليس كعطاء رب العالمين فهو أكرم الأكرمين.
والآن مع سر جمالي آخر في قول الله جل و على
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ
يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ إلى آخر هذه الآيات من سورة المائدة
هنا ذكر الله عزّ وجل لأهل الكتاب أن يتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام ثم وإذ قال موسى لقومه اذكروا إلى آخر هذه الآية، فالآية التي قبلها تبين أن يتبعوا النبي عليه الصلاة والسلام، ثم الله جعلكم ملوك وأنتم ملوك وجعل فيكم أنبياء، فكيف الربط بين هاتين الآيتين فالأولى يطلب منهم الاتباع والتي بعدها يشار إليهم أنهم ملوك؟ فإن كانوا ملوك فالنبي هو الذي يتبعهم.!
كذلك قال الله عزّ وجل في هذه الآية:" جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء " كيف ومحمد صلى الله عليه وسلم ليس منهم فكيف يتبعونه؟ فكأن لا يوجد علاقة بين الكلام. ففي كتاب "نظم الدرر في تناسب الآيات والسور" ذكر أن هناك مناسبة قوية جداً في ذلك، وعلاقة وطيدة ألا وهي:
أن الله عزّ وجل أمر أهل الكتاب بطاعة النبي صلى الله عليه وسلم، لماذا أهل الكتاب أعرضوا عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم خارج بني إسرائيل، فأصروا أن النبوة فيهم فكيف تكون للعرب؟ فهم خير أمة، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم جاء من أمة هم خدم لهم وأقل منهم. فلذلك الله عزّ وجل لما قال:" أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ "، أي أن لا يأتوا يوم القيامة ويقولوا لم يأتنا بشير ولا نذير، بلى لقد جاءكم بشير ونذير، فالله عزّ وجل قادر على كل شيء، فهو قادر على أن يقلب الملك، فجعلكم ملوك بعد أن كنتم خدم عند فرعون وبسط لكم الأرض وكذلك كانت فيكم النبوة فنقلها إلى بني إسماعيل.
يتبع مع سر جمالي آخر إن شاء الله تعالى
المفضلات