العصبية بين النزارية واليمانية وسببها..؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
((ذكر السبب في العصبية بين النزارية والقحطانية))
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أأمل أن ينال الموضوع رضاكم..
ذكر أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان النوفلي،
قال:حدثني أبي،قال: لما قال الكميت بن زيد الأسدي
-من أسد مضر بن نزار-الهاشميات قدم البصرة،فأتى الفرزدق
فقال:ياأبا فراس،أنا إبن أخيك،قال:ومن أنت؟
فانتسب له.فقال:صدقت فما حاجتك؟
قال : نُفث على لساني، وأنت شيخ مضر وشاعرها، وأحببت أن أعرض عليك ماقلت،
فإن كان حسناً أمرتني بإذاعته، وإن كان غير ذلك أمرتني بستره وسترته عليّ ،
فقال : ياابن أخي، أحسب شعرك على قدر عقلك ، فهات ماقلت راشداً ، فأنشده :
طَرِبتُ وَماشوقاً إلى البِيضِ أطرَبُ……….ولا لَعباً مِنّيْ ، وَذُو الشيب يّلعَبُ
قال : بلى فالعَبْ ، فقال :
وَلَمْ يُلْهِنيْ دَارٌ ، ولا رسمُ مَنْزِلٍ……….ولم يَتَطرّبْنِي بَنانٌ مُخَضّبُ
قال : فما يُطْرِبُكَ إذاً ، فقال :
وما أنا ممّنْ يَزجُرُ الطير هَمّهُ……….أصاح غُرابٌ أو تعَرّضَ ثعلَبُ
قال : فما أنت ويحك ؟ وألى مَنْ تسمو ؟ فقال :
وما السانحاتُ البارِحاتُ عَشِيّةً……….أمَرّ سليمُ القَرْنِ أم مرّ أعْضَبُ
قال : أما هذا فقد أحسنت فيه ، فقال :
ولكن إلى أهل الفضائل والنّهى……….وخّيرِ بني حَوّاء، والخَيْرُ يُطلَبُ
قال : مَنْ هم ويحَك ؟ قال :
إلى النّفَرِ البيضِ الّذينَ بحبهم……….إلى اللّهِ فيما نابني أتَقَرّبُ
قال : أرِحني ويحك!! مَنْ هؤلاء ؟ قال :
بني هاشمٍ رَهطِ النبيّ ، فإنّني……….بِهِمْ وَلَهُمْ أرضى مِراراً وأغضَبُ
قال : للّه درّك يابُنيّ ، أصبت فأحسنت ، إذ عدلت عن الزعانف والأوباش ، إذاً لايُصرّد سهمك ، ولا يُكذّب قولُك ، ثم مرّ فيها ،
فقال له : أظهر ثم أظهر وكد الأعداء ، فأنت والله أشعر مَنْ مضى وأشعر مَنْ بَقِيَ .
فحينئذ قدم المدينة ، فأتى أبا جعفر محمد بن علي ( بن الحسين بن علي ) رضي اللّه عنهم ، فأذن له ليلا وأنشده ، فلمل بلغ من الميمية قوله :
وقتيلً بالطّفِ غُودِرَ منهم……….بينَ غَوغاءَ أمّةٍ وَطُغام
بكى أبو جعفر ، ثم قال : ياكميت ، لو كان عندنا مال لأعطيناك ، ولكن لك ماقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لحسّان بن ثابت : لازلت مؤيداً بروح القدس ماذببت عنّا أهل البيت ، فخرج من عنده .
فأتى عبد اللّه بن الحسن بن علي ، فأنشده ، فقال : يا أبا المستهل ، إنّ لي ضيعة قد أعطيت فيها أربعة آلاف دينار ، وهذا كتابها ، وقد أشهدتُ لك بذلك شهوداً ، وناوله إيّاه ،
فقال : بأبي أنت وأمي ، إنّي كنت أقول الشّعرَ في غيركم أريد بذلك الدنيا والمال ، ولا واللّه ماقلت فيكم شيئاً إلاّ اللّه ، وماكنت لآخذ على شئ جعلته للّه مالاً ولا ثمناً ، فألحّ عبد اللّه عليه ، وأبى من إعفائه ،
فأخذ الكميت الكتاب ومضى ، فمكث أيّاماً ، ثم جاء إلى عبد اللّه فقال : بأبي أنت وأمّي ياابن رسول اللّه إنّ لي حاجة ، قال : وماهي ؟
فكل حاجة لك مقضية ،
قال : كائنة ماكانت ؟
قال : نعم ، قال : هذا الكتاب تقبلهُ وترتجع الضيعة ،
ووضع الكتاب بين يديه ، فقبله عبد اللّه .
ونهض عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر بن أبي طالب ،
فأخذ ثوباً جلداً فدفعه إلى أربعة من غلمانه ، ثم جعل يدخل دور بني هاشم ، ويقول :
يابني هاشم ، هذا الكميت قال فيكم الشعر حين صمت الناس عن فضلكم ، وعرض دمه لبني أمية ، فأثيبوه بما قدرتم ،
فيطرح ألرجل في الثوب ما قدر عليه من دنانير ودراهم ، وأعلم النساء بذلك ،
فكانت المرأة تبعث ما أمكنها ، حتى إنها لتخلع الحلى عن جسدها ،
فاجتمع من الدنانير والدراهم ما قيمته ألف درهم ، فجاء بها إلى ألكميت ،
فقال : يا أبا المستهل ، أتيناك بجهد ألمُقِلّ ، ونحن في دولة عدونا ،
وقد جمعنا لك هذا المال وفيه حلى النساء كما ترى ، فاستعن به على دهرك ،
فقال : بأبي انت وأمي ، قد أكثرتم وأطيبتم ، وما أردت بمدحي إياكم إلاّ الله ورسوله ،
ولم أك لآخذ لذلك ثمن من ألدنيا ، فأردده إلى اهله ، فجهد به عبد الله أن يقبله بكل حيلة ، فأبى ،
فقال : إن أبيت أن تقبل فأني رأيت أن تقول شيئاً تغضب به بين ألناس ،
لعلّ فتنةً تحدث فيخرج من بين اصابيعها بعض ما تحب ،
فابتدأ الكميت وقال قصيدته التي يذكر فيها مناقب قومه من مضر بن نزار بن معد و ربيعه بن نزار وإياد وأنمار ابني نزار ،
ويكثر فيها من تفضيلهم ، ويطنب في وصفهم ، وأنهم أفضل من قحطان ،
فغضب بها بين أليمانيه والنزاريه ، وهي قصيدته التي أولها :
ألا حُيّيتِ عنّا يا مَدِينا ………. وهلْ ناسٌ نقول مُسلّمنا
إلى أن انتهى إلى قوله تصريحاً وتعريضاً باليمن فيما كان من أمر الحبشة وغيرهم فيها ، وهو قوله :
لنا قمرُ السّمــــــــاءِ وكلّ نجم……….تُشيرُ إليه أيدي المُهتَدينــــا
وجدتّ الله إذْ سمّى نَــــــــزاراً……….وأسكَنَهُمْ بمَكّةَ قاطِنينَــــــــا
لنا جعلَ المَكـــــــارِمَ خالِصاتٍ……….وللناسِ القفى ولنا الجَبِينــا
وماضربت هجائن من نـــــزارٍ……….فوالج من فحولِ الأعجمينا
وما حملوا الحميرَ على عِتاقٍ………. مطهّرةٍ فيلفوا مُبْلِغينــــــــا
وما وجَدَتْ نِساءَ بَني نَــــــزارٍ……….حلائل أسودينَ وأحمرِينــــا
وقد نقض دِعبِل بن علي الخزاعي هذه القصيدة على الكميت وغيرها ، وذكر مناقب اليمن وفضائلها من ملوكها وغيرها ، وصرّح وعرّض بغيرهم ، كما فعل الكميت ، وذلك في قصيدته التي أولها :
أفيقي من ملامك ياعظينــــــا……….كفاك اللّومَ مرّ الأربعينـــــــــا
ألمْ تُحزِنْكِ أحداثُ اللّيالـــــــي……….يُشيبَنّ الذوائب والقرُونــــــــا
أحيّي الغُرّ منْ سَروات قومـي……….لقد حُيّيتِ عنّا يامًدِينــــــــــــا
فإنْ يكُ آلً إسرائيل منكــــــــم………. وكنتم بالأعاجم فاخرينـــــــا
فلا تنس الخ الخنازير اللّواتي……….مُسِخْنَ مع القرود الخاسئينا
بأيلة والخليج لهم رســـــــــومٌ……….وآثارٌ قَدُمْنَ وما مُحِينـــــــــا
وما طَلبُ الكميت طِلابُ وِتْــــرٍ……….ولكنّا لنصرتنا هُجينــــــــــــا
لقد عَلِمَتْ نِزارٌ انّ قومــــــــي……….إلى نصرِ النبوة فاخِرينـــــــا
وهي طويلة. ونمى قول الكميت في النزاريةواليمانية ، وافتخرت نزار على اليمن ،
وافتخرت اليمن على نزار ، وأدلى كل فريق بما له من المناقب ،
وتحزبت الناس ، وثارت العصبية في البدو والحضر ،
فنتج بذلك أمر مروان بن محمد الجعدي ، وتعصبه لقومه من نزار على اليمن ،
وانحراف اليمن عنه الى الدعوة العباسية ، وتغلغل الأمر الى إنتقال الدولة عن بني أميّة ،
ثم تلا ذلك من قصة معن بن زائدة باليمن وقتله أهلها تعصباً لقومه من ربيعة وغيرها من نزار ،
وقطعه الحلف الذي كان بين اليمن وربيعة في القِدَمِ ،
وفعل عُقْبَة بن سالم بعمان والبحرين ، وقتله عبد القيس وغيرهم من ربيعة
( وساءر نزار ممّن بأرض البحرين وعمان ) كياداً لمعن ،
وتعصباً من عقبة بن سالم لقومه من قحطان ، وغير ذلك ممّا تقدم وتأخّر مما كان بين نزار وقحطان..
المصدر : مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي المتوفي في عام 346 من الهجرة
المجلد الثالث
الطبعة الرابعة في سنة 1964 م مطبعة السعادة في القاهرة..؟
لكم تحيات
ماجد البلوي