شرح احاديث عمدة الاحكام

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محب الفردوس
    عضو جديد
    • 4 - 2 - 2008
    • 108

    #16
    رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

    شرح أحاديث عمدة الأحكام
    الحديث الحادي عشر والثاني عشر

    عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
    الحديث الحادي عشر :
    عن نُعيم المُجْـمِـر عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن أمتي يأتون يوم القيامة غُـرّاً مُحَجّـلِين من أثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يُطيل غُـرّته فليفعل .
    وفي لفظ لمسلم :
    رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين ، ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أمتي يأتون يوم القيامة غُـراً محجلين من أثر الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل .فيه مسائل :

    في رواية لمسلم عن نعيم بن عبد الله المجمر قال :
    رأيت أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ، فأسبغ الوضوء ، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ، ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ . وقال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم الغُـرّ المحجلون يوم القيامة مِن إسباغ الوضوء ، فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله .

    في رواية للبخاري – رحمه الله –
    عن نعيم المجمر قال : رقيت مع أبي هريرة على ظهر المسجد فتوضأ ، فقال :
    إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل .

    = المصنف – رحمه الله – لا يُورد مَن كان بعد الصحابي إلا لفائدة .
    والفائدة هنا أن نعيم انفرد بذكر الإدراج في الحديث ، ولذا قال نعيم بعد روايته للحديث : لا أدرى قوله : " من استطاع أن يطيل غرته فليفعل " من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو من قول أبي هريرة ؟
    ثم إن نعيم المجمر يروي ما شاهده من أبي هريرة رضي الله عنه .
    فروى أن رآه يتوضأ ، وفي رواية أنه رآه توضأ على ظهر المسجد .

    = الصحيح أن قوله : " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " مُدْرجٌ من قول أبي هريرة رضي الله عنه كما نصّ عليه أهل هذا الفن .
    وأحياناً يقول الراوي قولا بعد روايته الحديث ثم يظن بعض من يرويه أنه من نَصّ الحديث .
    كما تقدّم في رواية حديث أبي هريرة رضي الله عنه : أسبغوا الوضوء . ويلٌ للأعقاب من النار .
    فالجزء الأول من قول أبي هريرة رضي الله عنه .
    ويتبيّن الإدراج بمقارنة الروايات بعضها ببعض .

    = المُراد بـ " أمتي "
    الأمة في العموم تنقسم إلى قسمين :
    أمـة الإجابـة
    وأمـة الدعوة

    وأمة الإجابة هم من استجابوا للنبي صلى الله عليه وسلم .
    وأمة الدعوة كل من عدا أمة الإجابة ممن توجّه إليهم الدعوة ، سواء من المشركين أو من الوثنيين أو من اليهود والنصارى .
    قال صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار . رواه مسلم .
    فقوله عليه الصلاة والسلام : أحد من هذه الأمة . يعني أمة الدعوة .

    والمقصود بـ " الأمة " في هذا الحديث هي أمة الإجابة .
    بدليل أنه صلى الله عليه وسلم أتى على أهل المقبرة فقال : سلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون . ثم قال : وددت أنا قد رأينا إخواننا . فقالوا : يا رسول الله ألسنا بإخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي وإخواني الذين لم يأتوا بعد ، وأنا فرطهم على الحوض . فقالوا : يا رسول الله ، كيف تعرف من لم يأتِ بعد من أمتك ؟ قال : أرأيت لو أن رجلا كان له خيل غر محجلة بين ظهراني خيل بهم دهم ، ألم يكن يعرفها ؟ قالوا : بلى . قال : فإنهم يأتون يوم القيامة غُـرّاً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض . رواه مسلم .

    = فضل الوضوء
    قال عليه الصلاة والسلام : من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره . رواه مسلم .
    وقال صلى الله عليه وسلم : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقيا من الذنوب . رواه مسلم .
    وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : ولا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن . رواه أحمد وغيره .

    والأحاديث الواردة في فضل الوضوء أكثر من أن تُحصر في هذه العجالة .

    = معنى غُـرّاً مُحجّـلين .
    الغُـرّة ما يكون في وجه الفرس من البياض ، وهي تزيده جمالاً .
    والتّحجيل ما يكون من بياض في ثلاث قوائم من قوائم الفرس .

    والمُراد بالغرة ما يكون في وجوه الأمة من بياض وإشراق من أثار الوضوء .
    وهذا مما تتميّز به هذه الأمة عن غيرها من الأمم ، وبه يعرفها نبيُّها صلى الله عليه وسلم .

    = أثر الوضوء – آثار الوضوء . المعنى واحد .
    والأثر هو ما يبقى بعد المسير أو الاستعمال .
    والمقصود به هنا آثار الماء المستعمل يُبدلهم الله به نورا يوم القيامة ، ويُدعون بهذا الوصف لمحافظتهم على الوضوء .

    = خطورة ترك الوضوء .
    فمن لم يكن من أهل الوضوء فكيف يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم ؟
    وكيف يعرف أن هذا من أمته ؟
    وبالتالي تتبيّن خطورة الصلاة ، فإن من ترك الوضوء ترك الصلاة ، إذ الصلاة لا تصح إلا بوضوء .
    وقد سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم تأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء ، وهذه صفة المصلين . فَبِمَ يُعرف غيرهم من المكلفين التاركين والصبيان ؟
    فأجاب – رحمه الله – :
    الحمد لله رب العالمين هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغرّ محجّـلا ، وهم الذين يتوضؤون للصلاة ، وأما الأطفال فهم تبع للرجال ، وأما من لم يتوضأ قط ، ولم يُصِلّ ، فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة . انتهى .

    = ما يتعلق بغسل المنكبين والرفع إلى الساقين له قصة كما عند مسلم في صحيحه .
    فقد روى الإمام مسلم عن أبي حازم قال : كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة ، فكان يمد يده حتى تبلغ إبطه ، فقلت له : يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ؟ فقال : يا بني فروخ أنتم ههنا ! لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء . سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء .

    المقصود ببني فرّوخ الموالي ، وقيل : العجم .

    = هذا هو مذهب أبي هريرة رضي الله عنه بدليل انه قال لأبي حازم هذا القول .

    = وقد جاء عن ابن عمر أنه كان ربما بلغ بالوضوء إبطه في الصيف .

    نقل الإمام النووي عن القاضى عياض أنه قال ك وإنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدي به إذا ترخص في أمر لضرورة أو تشدد فيه لوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهبا شذّ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة الجهلة لئلا يترخصوا برخصته لغير ضرورة أو يعتقدوا أن ما تشدد فيه هو الفرض اللازم . هذا كلام القاضى ، والله أعلم .

    = المقصود بالمنكب هو مفصل الكتف من أعلى .

    = قول الصحابي وفعله إنما يكون حجّـة إذا لم يُخالف النص الصحيح .

    الحديث الثاني عشر :
    وفي لفظ لمسلم : سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول : تبلغ الحِلية من المؤمن حيثُ يبلغ الوضوء .

    فيه مسائل :
    = الخُـلّـة أعلى درجات المحبة .
    وهل هناك تعارض بين قول أبي هريرة هنا " خليلي " وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم : لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن أخي وصاحبي . متفق عليه .
    ليس هناك تعارض فإن أبا هريرة لم يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذه خليلا ، وإنما هو اعتبره وجعله خليلا له .
    قال ابن القيم – رحمه الله – :
    أما ما يظنه بعض الظانين أن المحبة أكمل من الخُلّة ، وأن إبراهيم خليل الله ، ومحمد حبيب الله ! فمن جهله ، فإن المحبة عامة ، والخُلة خاصة ، والخلة نهاية المحبة ، وقد أخبر النبي أن الله اتخذه خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ونفى أن يكون له خليل غير ربِّه ، مع إخباره بِحُبِّه لعائشة ولأبيها ولعمر بن الخطاب وغيرهم ، وأيضا فان الله سبحانه يحب التوّابين ويُحب المتطهرين ، ويحب الصابرين ، ويحب المحسنين ، ويحب المتقين ، ويحب المقسطين ، وخُلّته خاصة بالخليلين عليهما الصلاة والسلام . انتهى .

    = المراد بـ " الحِـلْـيَـة " هنا هي حِلية أهل الجنة .
    أي أن المؤمن يُحلّى في الجنة حيث يبلغ الوضوء .
    وهذا مما يتميز به بعض أهل الجنة دون بعض .

    = فيه دليل على فضل الوضوء ، وفضل إسباغ الوضوء .
    قال صلى الله عليه وسلم : ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخُطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة ؛ فذلكم الرباط . رواه مسلم .
    وإسباغ الوضوء على المكاره هو غسل الأعضاء غسلا كاملا عند برودة المياه في الشتاء ، وعند شِدّة الحرارة في الصيف .

    = هذا من الأخبار الغيبية التي أطلع الله نبيّه صلى الله عليه وسلم عليها .
    لأن هذا من الأمور الغيبية المتعلقة باليوم الآخر .
    وهذا يدل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم .
    والله أعلم .

    تعليق

    • محب الفردوس
      عضو جديد
      • 4 - 2 - 2008
      • 108

      #17
      رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

      شرح أحاديث عمدة الأحكام
      الحديث الثالث عشر

      عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
      الحديث الثالث عشر :
      عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .

      فيه مسائل :

      = لفظ ( كان ) يدل على الكثرة ومُلازمة الفعل .

      = إذا دخل الخلاء .
      يعني إذا أراد الدخول ، كما جاء به مصرّحـاً في روايةٍ للبخاري : إذا أراد أن يدخل .
      وهذا كقوله تعالى : ( فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) يعني إذا أردت أن تقرأ القرآن ، فالاستعاذة محلّها قبل القراءة لا أثناء القراءة ولا بعدها .

      = المقصود بالخلاء .
      أماكن قضاء الحاجة .
      فقد جاء في رواية لمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الكنيف قال : اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث .
      والكنيف : هو مكان قضاء الحاجة ، ومنه قول عائشة في قصة الإفك : وخَرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكُنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التـّـنـزّه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا . رواه البخاري ومسلم ، وهو حديث طويل .

      = معنى قوله : اللهم . أي أستعيذ بك يالله .
      وقد جاء في رواية لمسلم : أعوذ بالله من الخبث والخبائث .

      = ضبط الخبث ( بضم الخاء والباء ) ( الخُـبُـث ) وضُبِطت ( الخُـبْـث )

      = المقصود بالخُبُث والخبائث .
      الخُـبُـث بضم الباء : ذُكران الجن ، والخبائث : إناثهم ، فيستعيذ بالله من ذكران الجن وإناثهم .
      الخُـبْـث بسكون الباء : الشيطان ، والخبائث : النجاسات من بول وغائط .
      وعليه تُحمل رواية ابن أبي شيبة : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال : أعوذ بالله من الخبيث والخبائث .
      وقيل : الخبث : الشرّ ، وقيل : الكفر .
      وليس ثم مانع من اجتماع هذه الأشياء ، وأن يقصد الاستعاذة منها جميعا .
      وكان كان حذيفة رضي الله عنه إذا دخل الخلاء قال : أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم . رواه ابن أبي شيبة .
      وقال ابن مسعود رضي الله عنه : إذا دخلت الغائط فاردت التكشف فقل : اللهم إني أعوذ بك من الرجس والنجس والخبث والخبائث والشيطان الرجيم . رواه ابن أبي شيبة .

      = سبب الاستعاذة
      أن بيوت الخلاء ودورات المياه ، وما نُسميه " الحمامات " هي أماكن الشياطين ومساكنها .
      ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إن هذه الحشوش محتضرة ، فإذا أتى أحدكم الخلاء فليقل : أعوذ بالله من الخبث والخبائث . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي في الكُبرى وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .
      والمقصود بـ " الحشوش " بيوت الخلاء حيث تُقضى الحاجة ، وهو جمع حُـشّ .
      وسبب آخر ، وهو أن الإنسان يحتاج إلى كشف عورته حال قضاء الحاجة ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ستر ما بين الجن وعورات بنى آدم إذا دخل الكنيف أن يقول : بسم الله . رواه ابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه .
      ورواه الترمذي بلفظ : ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله .
      والحديث صححه الألباني في الإرواء بمجموع طُرقـه .

      = حُـكـم هذا الدعاء عند دخول الحمام .
      قال ابن المُلقّن : مُجمع على استحبابه .

      = لو نسي الاستعاذة ، فلا يجب عليه شيء ، ولكن إذا تذكر بعدما دخل دورة المياه فإنه يقول هذا الدعاء بنفسه دون التلفّـظ بـه .

      = في هذا الحديث حرص الصحابة رضي الله عنهم على نقل سُنة النبي صلى الله عليه وسلم في كل شأن من شؤونه وفي كل أمر من أموره .

      = كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال : غُفرانك . رواه الإمام أحمد والبخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه ، وهو حديث صحيح .
      ومعنى غفرانك : أي أسألك مغفرتك .

      قال ابن القيم : في سبب قوله : غفرانك .
      قال : وفي هذا من السر - والله أعلم - أن النجو ( يعني الغائط ) يُثقل البدن ويؤذيه باحتباسه ، والذنوب تثقل القلب وتؤذيه باحتباسها فيه ، فهما مؤذيان مضرّان بالبدن والقلب ، فَحَمِدَ الله عند خروجه على خلاصه من هذا المؤذي لبدنه ، وخفّـة البدن وراحته ، وسأل أن يخلصه من المؤذي الآخر ويريح قلبه منه ويخففه . انتهى كلامه – رحمه الله – .

      = وأما حديث : الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني . فهو ضعيف ، كما بينه الشيخ الألباني – رحمه الله – في الإرواء ح 53

      = لم يصح حديث في مسألة دخول الخلاء بالرجل اليسرى ، والخروج بالرجل اليُمنى .
      إلا أنه تقدّم حديث عائشة رضي الله عنها في مسألة التيمّـن ، وبيان ذلك كله هناك .

      والله تعالى أعلم .

      تعليق

      • محب الفردوس
        عضو جديد
        • 4 - 2 - 2008
        • 108

        #18
        رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

        شرح أحاديث عمدة الأحكام
        الحديث الرابع عشر والخامس عشر

        عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
        الحديث الرابع عشر :
        عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ، ولا تستدبروها ، ولكن شرقوا أو غربوا.
        قال أبو أيوب :
        فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت قبل القبلة ، فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل .فيه مسائل :
        = أقرب الروايات لهذا اللفظ الذي أورده المصنف هي رواية مسلم ، وفيها تقديم وتأخير .
        ولفظ الحديث عند مسلم : إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط ، ولكن شرقوا أو غربوا .

        = قال المصنف – رحمه الله – :
        الغائط : الموضع المطمئن من الأرض ، كانوا ينتابونه للحاجة ، فكنّوا به عن نفس الحدث كراهية لذكره بخاص اسمه . والمراحيض : جمع مرحاض ، وهو المغتسل ، وهو أيضا كناية عن موضع التخلّي .

        = ومن هذا الباب – باب التـَّـكنية عن الأمر وعدم التصريح – قوله تعالى عن انبايءه ورسله : ( وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ )
        وقال عن عيسى ابن مريم وأمه : ( كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ )
        ومن كان يأكل الطعام احتاج إلى ما يحتاجه الناس من قضاء الحاجة ، وبالتالي ينتفي عنه الخلود ، وتنتفي عنه الألوهية بطريق الأولى .

        = ترتيب المصنف – رحمه الله – ترتيب بديع .
        فإنه – رحمه الله – لما فرغ من بيان الحدث ورفعه بالوضوء ، عقّـب بذكر التخلّي وآدابه ، ليُشعر بصنيعه هذا أنه لا علاقة بين قضاء الحاجة ، وبين الوضوء ، كما تقدّم .
        أي أن الاستنجاء أو الاستجمار لا علاقة له بالوضوء .

        = قوله صلى الله عليه وسلم : ولكن شرقوا أو غربوا .
        هذا خاص بأهل المدينة ؛ لأن قبلة أهل المدينة جهة الجنوب ، فإذا اتجهوا شرقا أو غرباً حال قضاء الحاجة لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها .
        ويدخل في ذلك من كان على نفس الجهة ، كأهل الشام واليمن .
        أما من كان في اتجاهه شرقا أو غربا استقبال أو استدبار ، فإنه يُنهى عن ذلك لعموم الأحاديث .
        فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا جلس أحدكم على حاجته فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها .

        وروى عن سلمان رضي الله عنه أنه قال : قال لنا المشركون : إني أرى صاحبكم يعلمكم . حتى يعلمكم الخراءة ؟ فقال : أجل . إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة ، ونهى عن الروث والعظام ، وقال : لا يستنجي أحدكم بدون ثلاثة أحجار .

        فهذه ألفاظ عامة في النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها ، سواء لأهل المدينة أو لغيرهم .

        = استغفار أبي أيوب رضي الله عنه .
        بناء على مذهبه أنه يرى التحريم في الفضاء والبنيان .
        وقيل : لأنه لا يرتضي ذلك الفعل ، وهذا دالٌّ على ورعه رضي الله عنه .
        وقيل : استغفار لمن بناها إن كان من المسلمين .

        = النهي يقتضي التحريم ، فيحرم استقبال القبلة أو استدبارها حال قضاء الحاجة سواء بالبول أو بالغائط .

        = النهي خاص في قضاء الحاجة من بول أو غائط ، ولا يلحق بهما ما سواهما ، وهذا من تعظيم القبلة ، وهو أمرٌ توقيفي لا يُمكن أن يُلحق به غيره مما لم يُنصّ عليه .
        وتعظيم القبلة حتى في قبلة المُصلّي .
        ولذلك لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد ، فأقبل على الناس فقال : ما بال أحدكم يقوم مستقبل ربه فيتنخع أمامه ؟ أيحب أحدكم أن يستقبل فيتنخع في وجهه ؟ فإذا تنخع أحدكم فليتنخع عن يساره تحت قدمه ، فإن لم يجد فليقل هكذا . ووصف القاسم – أحد رواته - فتفل في ثوبه ثم مسح بعضه على بعض . رواه مسلم .

        = ولذلك لا يُنهى عن استدبار القبلة أو الكعبة حال النوم أو عند الجماع .
        ولا يصح النهي عن استقبال النّيرين ( الشمس والقمر ) ولا عن استقبال الريح ، إلا إذا خشي أن تردّ الريح عليه بوله فلا يستقبلها لأجل ذلك لا للتعظيم .

        = قول الصحابي حُجة إذا لم يُخالف النص ، أو لم يُخالفه غيره ، فإن خالفه غيره من الصحابة رُجّح بينهما أو جُمع إن أمكن الجمع .
        وقد يكون الصحابي يقول بقول ، ولا يسعه غيره ؛ لأنه لم يبلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم سواه ، ويكون معذورا في نفسه .
        وعلى هذا كان ابن مسعود رضي الله عنه يُطبّق يديه في صلاته ، بأن يضم كفيه ويجعلهما بين ركبتيه .
        قال رضي الله عنه : إذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه وليجنأ ، وليطبّـق بين كفيه ، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأراهم . رواه مسلم .
        فهذا مذهبه رضي الله عنه مع أن التطبيق قد نُسخ ، ولكن لم يبلغه النسخ .

        = لو لم يرد في المسألة إلا حديث أبي أيوب رضي الله عنه لُحمل النهي على التحريم مُطلقاً

        ولكن قد ورد استدبار الكعبة حال قضاء الحاجة كما في هذا الحديث :

        الحديث الخامس عشر :
        عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : رقيت على بيت حفصة ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة .
        وفي رواية :
        مستقبل بيت المقدس .

        = فيه مسائل :
        في الحديث قصة :
        فعن واسع بن حبان قال : كنت أصلي في المسجد وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى القبلة ، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من شقي ، فقال عبد الله : يقول ناس إذا قعدت للحاجة تكون لك ، فلا تقعد مستقبل القبلة ولا بيت المقدس . قال عبد الله : ولقد رقيت على ظهر بيتٍ ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً على لبنتين مستقبلا بيت المقدس لحاجته . رواه البخاري ومسلم .
        زاد البخاري : وقال لعلك من الذين يصلون على أوراكهم ؟ فقلت : لا أدري والله . قال مالك : يعني الذي يصلي ولا يرتفع عن الأرض . يسجد وهو لاصق بالأرض .
        وهذا يعني أن ابن عمر كان يعلم بحال المُخاطَب وبمذهبه الذي يذهب غليه في هذه المسألة .
        وفي هذا بيان لطريقة من طرق التعليم .
        وهي أنه إذا عُلم أن لدى الإنسان مذهب مُخالف فإنه يُبيّن له الحق بدليله .
        وهذا يتكرر من ابن عمر رضي الله عنهما ، فإنه يكتفي أحيانا بإيراد الحديث أو الفعل ونسبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن فيه كفاية لمن أراد الهداية .

        = الجمع بين الحديثين أولى من إهمال أحدهما ، بل ذهب بعض العلماء إلى وجوب العمل بالحديثين ما أمكن .
        قال الإمام النووي : ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يُصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينها والعمل بجميعها .

        وللجمع بين الحديثين يُقال : حديث أبي أيوب نص في تحريم استقبال القبلة أو استدبارها حال قضاء الحاجة ومثله حديث أبي هريرة وحديث سلمان .

        وحديث ابن عمر نص في جواز ذلك في البنيان .
        فبقي حديث أبي أيوب و حديث أبي هريرة وحديث سلمان نص في تحريمه في الفضاء ، وخص حديث ابن عمر البنيان دون الفضاء .

        = الجمهور على المنع في الصحراء دون البنيان .
        ولذا لما أورد المصنف قول أبي أيوب أورد حديث ابن عمر بعده مباشرة .

        = إذا كان في الصحراء ما يستر من دابة أو جدار ونحو ذلك جاز استقبال أو استدبار القبلة .
        وقد أناخ ابن عمر راحلته مستقبل القبلة ، ثم جلس يبول إليها فقيل له : يا أبا عبد الرحمن أليس قد نُهي عن هذا ؟ قال : بلى ، إنما نهى عن ذلك في الفضاء ، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس . رواه أبو داود والبيهقي .

        = صعود ابن عمر لبيت أخته حفصة إنما كان لحاجة .
        وفيه جواز تبسط الزوج مع أهل زوجته ، ودخولهم بيته من غير إذنه إذا كان لا يكره ذلك .

        = حرص الصحابة على التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم ، والاقتداء به ، وتعظيمهم للسنة .

        والله سبحانه وتعالى أعلم .

        تعليق

        • محب الفردوس
          عضو جديد
          • 4 - 2 - 2008
          • 108

          #19
          رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

          شرح أحاديث عمدة الأحكام
          الحديث السادس عشر

          عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
          الحديث السادس عشر :
          عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل الخلاء ، فأحمل أنا وغلام نحوي [ معي ] إداوة من ماء وعنزة ، فيستنجي بالماء .
          العَنَزَة : الحربة الصغيرة .
          والإداوة : إناء صغير من جِلد .

          فيه مسائل :
          = لفظ [ معي ] لم أره في الصحيحين ، وإنما رأيته عند النسائي .

          = تقدم في الحديث السابق أن لفظ " كان " يدلّ على الكثرة .

          = كان يدخل الخلاء : أي يقصد الخلاء لقضاء الحاجة .

          = وغلام نحوي : أي مُقارب لي في السن .
          وفي رواية البخاري : وغلام منّـا . يعني من الأنصار .

          = يحتمل أنهما يتساعدان في حمل الأشياء المذكورة .

          = حمل العنزة . قيل لأسباب منها :
          - أنه كان يُصلي إليها إذا توضأ ، أي يجعلها سترة له .
          - أنه كان ينبش الأرض الصلبة بها ، لئلا يتطاير عليه من رشاش البول في الأرض الصلبة ، وورد في هذا حديث ، ولكنه لا يصح .
          ولفظه : كان إذا أراد أن يبول فأتى عزازاً من الأرض أخذ عوداً فنكت به في الأرض ، حتى يثير من التراب ، ثم يبول فيه . والحديث في ضعيف الجامع .
          - لاتّـقـاء العددو ؛ لأنه يخرج خارج البنيان .
          - التوكؤ عليها لمن قال هي عصا طويلة .
          - تعليق الأمتعة بها .
          وقيل غير ذلك .

          = في الحديث دليل على خدمة الصالحين ، وأهل الفضل ، وليس في ذلك عيب ولا منقصة .

          = فيه الإشارة إلى هديه صلى الله عليه وسلم في قضاء الحاجة .
          ويتضمن أموراً :
          أولاً : الابتعاد عن الناس ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب المذهب أبعد . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي في الكبرى وابن ماجه . وهو حديث صحيح .
          و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب لحاجته إلى المغمس . قال نافع : نحو ميلين من مكة . رواه الطبراني وأبو يعلى .
          قال الهيثمي : رواه أبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط ، ورجاله ثقات من أهل الصحيح .

          ثانياً : أن لا يرفع ثوبه إذا كان في فضاء من الأرض إلا إذا اقترب من الأرض .
          قال ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة تنحّى ، ولا يرفع ثيابه حتى يدنو من الأرض . رواه أبو داود والترمذي والبيهقي ، وصححه الألباني .

          ثالثاً : الاستنجاء بالماء تارة ، والاستجمار بالأحجار تارة أخرى ، إلا أنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الحجارة والماء .
          والحديث الوارد في أهل قباء أنهم كانوا يغسلون أدبارهم ، كما في المسند من حديث عويم بن ساعدة الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاهم في مسجد قباء فقال : أن الله تبارك وتعالى قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم ، فما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ قالوا : والله يا رسول الله ما نعلم شيئا إلا أنه كان لنا جيران من اليهود ، فكانوا يغسلون أدبارهم من الغائط فغسلنا كما غسلوا . ورواه أبو داود من حديث أبي هريرة مختصراً .

          لا أنهم كانوا يُتبعون الحجارة الماء ، فإن هذا من التكلّف والغلو .
          والحديث الوارد في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سألهم ، فقالوا : إنا نتبع الحجارة الماء . فقد قال فيه الهيثمي : رواه البزار وفيه محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ضعفه البخاري والنسائي وغيرهما ، وهو الذي أشار بجلد مالك .

          وإن استجمر بالأحجار فإنه لا يقتصر على أقل من ثلاثة أحجار ، كما سيأتي لاحقاً في الأحاديث .

          = يرى بعض السلف أن الاستنجاء يكون بالماء وبالحجارة ، وهذا مذهب الإمام البخاري فقد عقد باباً ، فقال : باب الاستنجاء بالحجارة . وتبعه الترمذي . وهم – رحمهم الله – قد نظروا إلى المعنى اللغوي ، فإن المقصود منه قطع النجو ، وهو الغائط ، وسواء كان بالحجارة أو بالماء ، فهو استنجاء .

          = فيه دليل على مشروعية الاستنجاء بالماء خلافاً لمن كرهه .
          فقد كرهه بعض السلف .

          وقد بوّب الإمام البخاري : باب الاستنجاء بالماء .
          قال ابن حجر : أراد بهذه الترجمة الرد على من كرهه ، وعلى من نفى وقوعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سُئل عن الاستنجاء بالماء ، فقال : إذا لا يزال في يدي نتن ، وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء ، وعن ابن الزبير قال : ما كنا نفعله ، ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء ، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم . انتهى .

          وقد روى الإمام مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يُسأل عن الوضوء من الغائط بالماء ؟ فقال سعيد : إنما ذلك وضوء النساء .
          ولعله لم تبلغه الأحاديث الواردة في استنجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالماء .

          = وقد وردت أحاديث أُخر تثبت استنجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالماء ، وفعله أصحابه من بعده ، إلا من لم يبلغه الحديث .
          إلا أن هذا لم يكن متكلّفاً ، بل بحسب ما يتيسر ، فلا يتكلف المسلم حمل الماء أو البحث عنه خاصة مع المشقة ، بل يستعمل الأحجار أو المناديل ، ولا يحتاج بعد ذلك إلى غسل دبره إذا وجد الماء ، بل يكتفي بالاستجمار .
          وقصد حمل الماء معه يدل على فضل الاستنجاء بالماء ، كما تقدم عن أهل قباء .

          = قول أنس : فأحمل أنا وغلام نحوي ... ليس معناه أنه كان يصب الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم حال استنجاءه بل يترك له الماء ثم يستنجي به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
          وتدل عليه الرواية الأخرى لمسلم . قال أنس : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً وتبعه غلام معه ميضأة ، هو أصغرنا ، فوضعها عند سدرة فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته ، فخرج علينا وقد استنجى بالماء .

          تعليق

          • محب الفردوس
            عضو جديد
            • 4 - 2 - 2008
            • 108

            #20
            رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

            شرح أحاديث عمدة الأحكام
            الحديث السابع عشر

            عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
            الحديث السابع عشر :
            عن أبي قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يُمسِكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء .

            فيه مسائل :
            = هذه رواية الإمام مسلم .
            ورواه الإمام البخاري بألفاظ فيها تقديم وتأخير .
            فقد رواه بلفظ : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ، ولا يتمسح بيمينه .
            كما رواه بلفظ : إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه ، ولا يستنج بيمينه ، ولا يتنفس في الإناء .
            وبلفظ : إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء ، وإذا بال أحدكم فلا يمسح ذكره بيمينه ، وإذا تمسح أحدكم فلا يتمسّح بيمينه .

            وهي ألفاظ متقاربة .

            = هذه الأمور من آداب الإسلام العِظام التي سبق بها الحضارات المادية ، بل تخلّفت الحضارات المادية المعاصرة عن هذه الآداب التي تتضمن الفوائد الطبية والنفسية وغيرها .

            = في هذا الحديث النهي عن ثلاثة أمور :
            1 - الاستنجاء باليمين
            2 - إمساك الذّكر باليمين حال البول .
            3 - التنفس في الإناء عند الشرب .


            = النهي للتنزيه ، وهو قول الجمهور . حكاه ابن حجر .
            وقال في الفتح : ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها ، كالماء وغيره ، أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف ، واليسرى في ذلك كاليمنى ، والله أعلم .

            = كيف يفعل إذا استجمر ؟
            إذا أمسك ذكره بيمينه وقع في النهي .
            وإذا أمسك الحجر بيمينه باشر الاستجمار أو النجاسة بيمينه .
            قال ابن حجر بعد أن حكى الأقوال في كيفية الاستنجاء بعد البول :
            والمس ( يعني مسّ الذَّكر ) وأن كان مختصا بالذَّكر لكن يلحق به الدُّبر قياسا ، والتنصيص على الذَّكر لا مفهوم له بل فرج المرأة كذلك ، وإنما خص الذَّكر بالذِّكر لكون الرجال في الغالب هم المخاطبون ، والنساء شقائق الرجال في الأحكام إلا ما خُـصّ ... والصواب أنه يُمِرّ العضو بيساره على شيء يُمسكه بيمينه وهي قارة غير متحركه فلا يُعد مستجمرا باليمين ولا ماسّاً بها ، ومن ادعى أنه في هذه الحالة يكون مستجمراً بيمينه فقد غلط ، وإنما هو كمن صب بيمينه الماء على يساره حال الاستنجاء . انتهى .

            = المرأة شقيقة الرجل فهي تُخاطب بذلك كما يُخاطب الرجل .

            = هل يلحق بالنهي مسّ العضو باليمين عند الجماع ؟
            الصحيح أنه لا يلحق ؛ لأن النهي مُختصّ بالبول دون غيره .
            وذَكَرَ ابن حجر أن ابن أبي جمرة استدل على الإباحة بقوله صلى الله عليه وسلم لطلق بن على حين سأله عن مس ذكره : إنما هو بضعة منك . فدلّ على الجواز في كل حال ، فخرجت حالة البول بهذا الحديث الصحيح ( حديث الباب ) ، وبقي ما عداها على الإباحة . انتهى .

            = هذا النهي يدلّ على احترام اليمين ، إذ هي محلّ التكريم والتقديم والتسليم والأخذ والإعطاء ، كما تقدّم في شرح الحديث العاشر .

            = كراهة التنفّس في الإناء أثناء الشرب ، وهذا فيه ناحية نفسيّـة وطبيّـة .
            ناحية نفسية ، وذلك أن من سوف يشرب بعده قد يكره الشرب من الإناء ، وقد تتغيّر رائحة الماء إذا كان المتنفّس مريضا .
            ناحية طبية ، وذلك أن الأمراض تنتقل عن طريق التّنفّس .
            وناحية طبيّـة للشارب نفسه ، إذ أنه إذا أبعد الإناء عن فمه تنفّس بهدوء ثم يشرب مرة أخرى .

            ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول : إنه أروى وأبرأ وأمرأ . قال أنس : فأنا أتنفس في الشراب ثلاثا . رواه مسلم .

            وقد سأل مروان بن الحكم أبا سعيد الخدري فقال : أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النفخ في الشراب ؟ فقال له أبو سعيد . نعم . فقال له رجل : يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأبِن القدح عن فيك ، ثم تنفس . قال : فإني أرى القذاة فيه . قال : فأهرقها . رواه الإمام أحمد والإمام مالك وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم وصححه الألباني .
            ومعنى ( فأبِن ) أي : فأبعد .

            ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب من ثلمة القدح ، وأن ينفخ في الشراب . رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما ، وهو حديث حسن ، كما قال الألباني .

            ويلحق بهذا النهي النفخ في الإناء خاصة إذا كان هناك من يشرب بعده .

            قال الحليمي : وهذا لأن البخار الذي يرتفع من المعدة أو ينزل من الرأس وكذلك رائحة الجوف قد يكونان كريهين ، فإما إن يعلقا بالماء فيضرّا ، وإما أن يفسدا السؤر على غير الشارب ؛ لأنه قد يتقذر إذا علم به ، فلا يشرب . نقله عنه الإمام البيهقي ثم قال :
            وذكر كليب الجرمي أنه شهد عليا رضي الله عنه نهى القصّابين عن النفخ في اللحم ، وهو نظير النفخ في الطعام والشراب الذي جاء النهي عنه ؛ لأن النكهة ربما كانت كريهة فكرّهت اللحم وغيّرت ريحه ، وقد عرف ذلك بالتجارب .

            والله أعلم .

            تعليق

            • محمد صالح الرموثي
              عضو جديد
              • 9 - 3 - 2008
              • 534

              #21
              رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

              كثر الله من امثالك

              تعليق

              • محمد صالح الرموثي
                عضو جديد
                • 9 - 3 - 2008
                • 534

                #22
                رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

                جزاك الله خير

                تعليق

                • محب الفردوس
                  عضو جديد
                  • 4 - 2 - 2008
                  • 108

                  #23
                  رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

                  شرح أحاديث عمدة الأحكام
                  الحديث الثامن عشر

                  عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
                  الحديث الثامن عشر :
                  عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بقبرين ، فقال : إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ؛ أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة ، ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ، فغرز في كل قبر واحدة . فقالوا : يا رسول الله لم فعلت هذا ؟ قال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا .فيه مسائل :
                  روايات الحديث :
                  في رواية للبخاري قال : وما يعذبان في كبير ، ثم قال : بلى .
                  وفي رواية له : وما يعذبان في كبير ، إنه لكبير .
                  وفي رواية له : أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة .
                  وفي رواية له أيضا : أما هذا فكان لا يستتر من بوله ، وأما هذا فكان يمشي بالنميمة .
                  وفي رواية للنسائي : كان أحدهما لا يستبرئ من بوله .
                  وفي رواية لأحمد وابن ماجه : أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله .
                  وفي رواية : لا يتوقّى

                  مكان القبرين :
                  في المدينة ، فقد جاء في رواية للبخاري قال ابن عباس رضي الله عنهما : مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بحائط من حيطان المدينة أو مكة .
                  وفي رواية له : بعض حيطان المدينة .
                  ففي هذه الرواية الجزم بأن القبرين في بعض حيطان المدينة .

                  = قوله صلى الله عليه وسلم : وما يعذبان في كبير ، ثم قال : بلى .
                  وفي الرواية الأخرى قال : وما يعذبان في كبير ، إنه لكبير .
                  المراد به والله أعلم أنه ليس بكبير في نظر الناس ، ولكنه عند الله كبير .
                  أو أنه ليس بأمر كبير يشق التّحرز منه ، ولكنه كبير عظيم عند الله .

                  إثبات عذاب القبر
                  وهو ثابت في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
                  فمن الكتاب قوله تعالى عن آل فرعون : ( النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ )
                  قال قتادة : صباحَ ومساءَ الدنيا ، يُقال لهم : يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغاراً لهم .
                  وقال ابن زيد : هم فيها اليوم يُغدى بهم ويُراح إلى أن تقوم الساعة .
                  قال ابن كثير : وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور .

                  وقال جلّ ذِكرُه : ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ )
                  قال مجاهد في تفسير هذه الآية : هو عذاب القبر .
                  وورد خلاف ذلك عن جماعة من السلف .
                  ولا إشكال في ذلك فهو محتَمَـل ، كما أنه لا إشكال في ختم الآية بقوله : ( لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) لما يعلمون من عذاب القبر ، وتُدركه سائر المخلوقات .
                  على ما سيأتي بيانه .
                  وقال عز وجل : ( فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ * يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )
                  قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية : وهذا يحتمل أن يراد به عذابهم بالقتل وغيره في الدنيا ، وأن يراد به عذابهم في البرزخ ، وهو أظهر لأن كثيراً منهم مات ولم يعذب في الدنيا ، أو المراد أعم من ذلك .

                  وفي قوله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) الآية .
                  قال أبو سعيد الخدري : يُضيّق عليه في قبره حتى تختلف أضلاعه فيه .

                  وقال الإمام البخاري : باب ما جاء في عذاب القبر ، وقوله تعالى : ( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ) الآية .
                  قال : هو الهوان ، وقوله جل ذكره : ( سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ) ثم ساق بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : عذاب القبر حقّ .
                  وقال الحسن البصري رحمه الله في تفسير هذه الآية – أعني قولَه تعالى : سنعذبهم مرتين – قال :عذاب الدنيا وعذاب القبر .
                  وفي قوله سبحانه : ( وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) قال مجاهد : ما بين الموت إلى البعث .
                  قال ابن القيم في قوله تعالى : ( إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) :
                  هذا في دورهم الثلاث ليس مختصا بالدار الآخرة وإن كان تمامه وكماله وظهوره إنما هو في الدار الآخرة وفي البرزخ دون ذلك كما قال تعالى : ( وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ) .
                  فالأبرار في نعيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة ، والفجار والكفار في جحيم في الدنيا وفي البرزخ وفي الآخرة .
                  فهذه الآيات وغيرها مما استدلّ به أهل السنة على ثبوت عذاب القبر ، وإنما استطردت في هذا الباب لدفع التوهّم حيث يظن البعض أن عذاب القبر لم يُنصّ عليه في الكتاب العزيز .

                  وأما الأحاديث فقد قال ابن كثير : وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا . اهـ

                  قال صلى الله عليه وسلم : ألا إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي ؛ إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، حتى يبعثه الله عز وجل يوم القيامة . رواه البخاري ومسلم .

                  وحدّثت عائشة رضي الله عنها فقالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تُفتنون في القبور ؟ قالت : فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : إنما تفتن يهود . قالت عائشة : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل شعرت أنه أوحي إلي ؛ أنكم تفتنون في القبور . قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر . متفق عليه .
                  وفي رواية : قالت وما صلى صلاة بعد ذلك إلا سمعته يتعوذ من عذاب القبر .

                  = وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بالله من عذاب القبر دبر كل صلاة ، وأمر أمته بذلك .
                  كان سعد بن أبي وقاص يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ منهن دبر الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر . رواه البخاري .
                  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال . متفق عليه .

                  بل كان يتعوّذ بالله من عذاب القبر صباحا ومساء
                  قال عبد الرحمن بن أبي بكرة لأبيه : يا أبت إني أسمعك تدعو كل غداة : اللهم عافني في بدني . اللهم عافني في سمعي اللهم عافني في بصرى لا إله إلا أنت . تعيدها ثلاثا حين تصبح وثلاثا حين تمسى ، وتقول : اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت . تعيدها حين تصبح ثلاثا ، وثلاثا حين تمسى . قال : نعم يا بنى إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهن ، فأحب أن أستنّ بسنته . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

                  = وعذاب القبر حق ، ولكن الله أخفاه عن الناس لِحكمة
                  وحِكمة إخفاء أصوات المعذبين في قبورهم عن الناس قوله صلى الله عليه وسلم : فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه . رواه مسلم .
                  فما ترك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سؤالَ اللهِ أن يُسمع هذه الأمة من عذاب القبر إلا خشية ألا يتدافنوا . ولما كانت الحكمة مُنتفية في حق البهائم أُسمعت عذاب القبر .

                  بينما عذاب القبر تسمعه البهائم
                  قال صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم . قال : يأتيه ملكان فيُقعدانه ، فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال : فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا . رواه البخاري ومسلم .
                  زاد البخاري قال: وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ! فيُقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين .
                  يعني تسمعه الدواب ويسمعه من كان قريبا من المكان إلا الإنس والجن .

                  وقال صلى الله عليه وسلم : إنهم يُعذّبون عذاباً تسمعه البهائم .

                  قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم اذا مُغِلَتْ الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما ، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى ، والجهال تظن أنهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله ، وإنما هو من هذا القبيل ، فقد قيل : إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغـل . انتهى كلامه – رحمه الله – .
                  أي يُذهب الإمساك من بطونها . والمغل : هو الإمساك .

                  وعن زيد بن ثابت قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حَادَتْ به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال : رجل أنا . قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله من عذاب النار ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . رواه مسلم .

                  = من أنكر عذاب القبر فقد كفر ، فقد تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك .
                  قال ابن القيم : أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
                  وقال ابن أبي العز : وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهـد له به في هـذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول . اهـ .

                  ومن مسائل الحديث :
                  = أن عذاب القبر غير منحصر في هذين السببين .

                  = التساهل في الطهارة ، وعدم التّحرز من النجاسة سبب في عدم صحة الوضوء ، وبالتالي عدم صحة الصلاة ، وقد تقدّم معنا في الحديث الثالث قوله عليه الصلاة والسلام : ويل للأعقاب من النار .

                  = قوله : لا يستتر ، وفي رواية : لا يستبرئ ، وفي رواية : لا يستنزه .
                  هذا كله محمول على عدم التّنزّه والتطهر من البول ، لا أنه على عدم استتاره عن أعين الناس ، إذ لو كان ذلك هو السبب لما قُيّد بحال البول فقط .

                  = فيه دليل على نجاسة البول ، والمقصود بـ " البول " بول الإنسان نفسه .

                  = فيه دليل على أن هذه الأشياء من كبائر الذنوب .

                  = خطورة النميمة ، وأنها من كبائر الذنوب .
                  والنميمة هي نقل الكلام بين الناس على سبيل الإفساد .
                  وقد قيل : يُفسد النمام في ساعة ما لا يُفسده الساحر في سنة . وهذا على سبيل المبالغة .
                  والنمام قد رضيَ لنفسه مهنة الشيطان .
                  قال صلى الله عليه وسلم : إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ، ولكن في التحريش بينهم . رواه مسلم .

                  = والنمام لا يدخل الجنة
                  قال همام بن الحارث : كان رجل ينقل الحديث إلى الأمير فكنا جلوسا في المسجد فقال القوم : هذا ممن ينقل الحديث إلى الأمير ، فجاء حتى جلس إلينا ، فقال حذيفة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يدخل الجنة قتات . متفق عليه .
                  وفي رواية قال : لا يدخل الجنة نمّام .

                  واستثنى العلماء من ذلك ما كان لمصلحة ، كأن يُنقل الكلام عن أهل الفساد والريب ونحو ذلك .
                  وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : يا معشر من أعطى الإسلام بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لاتؤذوا المؤمنين ، ولا تتبعوا عوراتـهم ، فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه في بيته .
                  وفي رواية : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تبعـوا عوراتـهم [ – وفي رواية – : لا تؤذوا المسلمين ولا تُعيّروهم ولا تتّبعوا عوراتـهم - ] فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم يتتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي ، وهو حديث صحيح
                  و عن معاوية رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتـهم أو كدت أن تفسدهم . فقال أبو الدرداء : كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بـها . رواه أبو داود بإسناد صحيح .

                  ويدخل في النميمة الكتابة والقول والإشارة والرمز ، نص عليه ابن الملقّن .

                  وكان السلف يُشدّدون في ذلك ، فلا يرضون عن أحد أن ينقل لهم كلام غيرهم ، لأن من نمّ لك نمّ عليك .

                  = شق الجريدة وغرزها على القبر من خصوصيات رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن هذا الأمر من الأمور الغيبية التي لا يُمكن أن يُطّلع عليها أو يعلمها أحد الناس .

                  وقد قيل إن سبب غرز الجريدة الرطبة أنها تُسبّح .
                  ورُدّ بأن التسبيح ليس مُختصاً بالرطب ، فما من شيء إلا يُسبح بحمده سبحانه .

                  والصحيح : أن التخفيف عنهما خلال فترة بقاء الجريدة رطبة .
                  قال الخطابي : هو محمول على أنه دعا لهما بالتخفيف مدة بقاء النداوة ، لا أن في الجريدة معنى يخصه ، ولا أن في الرطب معنى ليس في اليابس . انتهى .

                  = فيه إثبات شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن مات من أمته .

                  = لم يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على القبرين ليُخفف عنهما ، وإنما غرز جريدة رطبة .
                  مما يدلّ على أن قراءة القرآن على القبور ليس لها أصل .

                  تعليق

                  • ابو ياسر
                    عضو جديد
                    • 5 - 10 - 2006
                    • 197

                    #24
                    رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

                    الله يجزاك ألف خير حبيبي
                    sigpic

                    تعليق

                    • محب الفردوس
                      عضو جديد
                      • 4 - 2 - 2008
                      • 108

                      #25
                      رد: شرح احاديث عمدة الاحكام

                      امين واياكم اخي ابو ياسر
                      يسلموا

                      تعليق

                      يعمل...