تويت
{ الـ نرجس ـيـــة} في الأدب.. و الآخـــر ..!!
تقول الأسطورة اليونانية القديمة
و الحقيقة اختلف الناس بصيغة تداولها //
اعتاد شاب جميل الوجه والمظهر اسمه نرجس(ناريس) أن يذهب كل يوم
لينظر ويتمتع بحسن صورته على صفحة مياه البحيرة. وكان يستغرق
في تأمل صورته بافتتان إلى درجة أنه سقط ذات يوم في البحيرة و.. غرق!
وفي المكان الذي سقط فيه ذلك الشاب نبتت زهرة عرفت بــ اسمه " النرجس"..
وعندما مات الشاب جاءت حوريات الغابة إلى ضِفاف تلك البحيرة العذبة
المياه فإذ بها قد تحولت إلى مستودع لدموعٍ مالحة..
فسأل الحوريات هذه البحيرة: لِمَِ تبكين؟!
فردت البحيرة: أبكي على نرجس.
عندئذٍ قالت الحوريات للبحيرة: لا غرابة فنحن أيضاً كنّا نتملى
من جمال هذا الشاب في الغابة.. فأنتِ لم تكوني الوحيدة التي تتمتع
بجماله عن قرب.
فسألتهنّ البحيرة: هل كان نرجس جميلاً؟!
فردت الحوريات في دهشة: من المفترض أنكِ تعرفين جمال نرجس أكثر منا،
فقد كان ينظر إليكِ ليتمتع هو بجماله يومياً.
فسكتت البحيرة لفترة ثم قالت: إني أبكي على نرجس، غير أنّي لم أنتبه
قط إلى أنه كان جميلاً.
أنا أبكي على نرجس لأنه في كل مرة تقولون
أنتم أنه كان ينحني فوق ضفتي ليتمتع هو بجماله،
كنت أرى أنا في عينيه طيف جمالي ***
/
/
إذن نستشف من هذه الأسطورة الخيالية أن النرجسية
ليست بالشاب فقط بل أيضًا طالت البحيرة ..
/
/
و لو تطرقنا للمفهوم العام للنرجسية فإنها
هي الأنانية فالنرجسي عاشق لنفسه ويرى
أنه الأفضل والأجمل والأذكى ويرى الناس أقل منه
ولذلك فهو يستبيح لنفسه استغلال الناس وتسخيرهم...
والنرجسي يهتم كثيرًا بمظهرهِ وأناقته
و دقيقًا للغاية في إختيار ملابسه ويعنيه كيف يبدو هو في عيون الأخرين !!
وكيف يثير إعجابهم !! .. ويستفزه التجاهل جــدًا
ويحنقه النقد ولا يريد أن يسمع إلا عبارات المديح و الإعجاب...
/
/
و خير من مثلها في الأدب العربي القديم
المتنبي .. و تعتبر هنا ميزة و إيجابية تُحسب له
لأنها أثرت الأدب العربي بهذا الكمّ من إبداعٍ شغل الناس و ملأ الدُنى
كان يقول المتنبي عن نفسه و هو لا يزال صبيًا :
أمط عنك تشبيهي بما وكأنما
فما أحد فوقي ولا أحد مثلي
و قوله أيضًا //
أنا ترب الندى ورب القوافي
وسمام العدى وغيظ الحسود
و من وجهة نظري النرجسية في الأدب لا تعد عيبًا بقدر ماهي إبراز لذات الشاعر
و استعراض آلامه ... و معاناته.. و إفتتانه بكل مايتعلق بشخصه
أميـل إليها لكني لا أُحبذها كثيرًا .. كما ذكر العالم فرويد
أنها ليست عيبًا و قد تعد سمة فارقة المهم أن لا تتفاقم عن حدهــا
في العصر الحديث برزت لدى كثير من الشعراء و منهم
على سبيل المثال الشاعر الراحل/ نزار قباني يقول في أحد أحاديثه /
... وكنت مشغولاً بأوراقي وكتاباتي ونرجسيتي ))
إذن نستطيع القول أن نرجسيته ساهمت إلى حد كبير في إبداعه ..
نلاحظ في أشعاره التمرد و العشق المخبوء في ذاته و الغريب
أنه كأنه يتحدث بما يجول في خواطر الآخرين ..فأعجبتهم قصائده
تتجلى هنا نرجسية عميقة كما ذكر النقاد و قليل من يلاحظها //
في رثائِه لابنه ::
فما حيلتي يا قصيدةَ عمري
إذا كنتَ أنتَ جميلاً . . وحظِّي قليل
و قوله في إحدى رسائِله لأمه //
فكيف فكيف يا أمّي
غدوتُ أباً ولم أكبَرْ ؟
و إنصهار ذاتية الأديب المتمكن في قالب شعري أو نثري من أجل إمتاع
الناس أعتقد أنه يرتقى بالأدب و التعمق في بحور الشعر
يدفعه للابتكار و من ثم الإبداع ...
و كأنه يعتقد أن الجمهور مرآته التي ينظر إليها من خلال إبداعــه
فيسعى جاهـدًا لتقديم أجمل الصور و أروعها ..
و لدى الأدباء أظن أنها تتلبسهم في حالة التعبير عن الذات و ليس
بالضرورة أن تكون جزء من واقعهم ..
في الشعر الشعبي لا تروق لي كثيرًا لأسباب يطول شرحها ..
/
/
و لابد من التفريق بين أن يفخر المرء بذاته .. و بين أن يُمجدها
و يُثني عليها في غالب أحاديثه و كتاباته .. فكأنه لا يطيق فراقها ( ذاته )
حتى أن بعضهم يقول أن النرجسي عندما يصل لذروته من ( النّرجسة)
لا يعرف الحب لغيرها و يفشل في إقامة علاقات عاطفية مع الآخرين ...
,
,
في النهاية
المهم أن لاتتضخّم هذه النرجسية .. لـِ تتحول إلى مرض نفسي
و جميل أن تكون صديقة للأدب بشرط أن لاتطغى عليه و تخون تعابيره
لتتخذ شكل سيرة ذاتية أو سرد لمُعاناة شخصية تُلغي ملامحه و تُبرز
عضلات كاتبها على حساب الصور الجمالية للأدب ..
,
,
تقديري لكــم ... أختكم / العاصفة
تعليق