مسائل في أصل خلق الجنين

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • القصير
    شاعر محاوره

    • 11 - 8 - 2007
    • 1004

    #1

    مسائل في أصل خلق الجنين

    مسائل في أصل خلق الجنين، وفي كونه ذكَراً أو أنثى، وفي شبهه بأبيه أو أمه
    قرأت بعض الأحاديث عن تكون الجنين ، والتي أوردها ابن القيم في كتابه " التبيان في أقسام القرآن " ، ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الجنين ذكراً وإذا سبق ماء المرأة الرجل كان الجنين أنثى ... ) ثم ذكر حديثاً آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل من ماذا خُلق الإنسان ؟ فأجاب صلى الله عليه وسلم قائلاً (من ماء الرجل والمرأة معاً ، فماء الرجل تُخلق منه العظام والأعصاب لأنه غليظ ، وماء المرأة يُخلق منه الدم واللحم لأنه ليّن) ، هل من الممكن شرح وتوضيح هذه الفكرة على ضوء هذين الحديثين ؟ .


    الجواب :

    الحمد لله

    أولاً :

    الحديث الثاني المذكور في السؤال : لا يصح ، وهذا لفظه ، وكلام الأئمة عليه :

    عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُود قَالَ : (مَرَّ يَهُودِيٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : يَا يَهُودِيُّ ، إِنَّ هَذَا يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، فَقَالَ : لَأَسْأَلَنَّهُ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ . قَالَ : فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ / مِمَّ يُخْلَقُ الْإِنْسَانُ؟ قَالَ : يَا يَهُودِيُّ ، مِنْ كُلٍّ يُخْلَقُ مِنْ نُطْفَةِ الرَّجُلِ ، وَمِنْ نُطْفَةِ الْمَرْأَةِ ، فَأَمَّا نُطْفَةُ الرَّجُلِ فَنُطْفَةٌ غَلِيظَةٌ مِنْهَا الْعَظْمُ وَالْعَصَبُ ، وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّمُ ، فَقَامَ الْيَهُودِيُّ فَقَالَ : هَكَذَا كَانَ يَقُولُ مَنْ قَبْلَكَ) رواه أحمد في "مسنده" (7/437) .

    قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله :

    إسناده ضعيف ؛ لضعف حسين بن الحسن ، وهو الأشقر . والحديث في " مجمع الزوائد " ( 8 / 241 ) ، وقال : " رواه أحمد والطبراني والبزار بإسنادين ، وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك ، وثقه ابن حبان ، وضعفه غيره ، وبقية رجاله ثقات ، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب ، وقد اختلط " .

    "مسند أحمد" تحقيق الشيخ أحمد شاكر ( 6 / 199 ) .

    وكذا ضعفه محققو المسند ( 7 / 437 ) طبعة الرسالة ، وقالوا :

    إسناده ضعيف ؛ لضعف حسين بن الحسن ، وهو الأشقر ، وعطاء بن السائب اختلط بأخرة ، ولم نقف على سماع أبي كدينة - وهو يحيى بن المهلب - منه ، هل كان قبل الاختلاط أم بعده ، وعبد الرحمن والد القاسم - وهو ابن عبد الله بن مسعود - لم يثبت سماعه لهذا الحديث من أبيه ، فهو إنما سمع من أبيه شيئاً يسيراً . انتهى .

    ومع ضعف سند الحديث : فإن في متنه إشكالاً ، حيث ذُكر فيه أن لحم الجنين يكون من نطفة الأم ، وعظمه من نطفة الأب ، وظاهر النصوص : أن اللحم والعظم من مجموع النطفتين .

    ونقل محققو المسند عن نور الدين أبي الحسن السندي رحمه الله قوله :

    "قوله : (وَأَمَّا نُطْفَةُ الْمَرْأَةِ فَنُطْفَةٌ رَقِيقَةٌ مِنْهَا اللَّحْمُ وَالدَّم) : قلت : ظاهر القرآن ، وهو قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً .... ) الآية المؤمنون/14 : يدل على أن مجموع النطفتين يصير عظاماً" انتهى .

    ثانياً :

    أما خلق الجنين ، وكونه ذكراً أو أنثى ، وشبهه بأبيه ، أو أمه : فكلها مسائل لها ما يدل عليها من الكتاب والسنَّة ، وفيها خلاف بين العلماء ، ونحن نذكر ذلك مختصراً :

    1. خلق الجنين :

    قال تعالى : (فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرَائِبِ ) الطارق/ 5 – 7 .

    وقد اختلف العلماء في معنى هذه الآية ، وقد ذكرنا اختلافهم في جواب السؤال رقم (118879) ، ورجحنا قول طائفة من المفسرين والعلماء أن " الصلب " – وهو الظهر - ، و " الترائب " – وهي عظام الصدر - : هي للرجل نفسه .

    2. الذكورة والأنوثة ، والشبه :

    وفي هذا خلاف كبير بين العلماء المتقدمين والمعاصرين ، ونحن نذكر طائفة من الأحاديث في المسألة ، ثم نختار أشهر أقوال العلماء فيها .

    1. عن أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ سأل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : (مَا بَالُ الْوَلَدِ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ ؟ قَالَ : أَخْبَرَنِى بِهِ جِبْرِيلُ آنِفًا ، أَمَّا الْوَلَدُ ، فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ ، وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ مَاءَ الرَّجُلِ نَزَعَتِ الْوَلَدَ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ) رواه البخاري ( 3723 ) .

    ومعنى ( ينزع ) : يذهب إليه - أو إليها – بشبهه .

    2. عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ ... قَالَ : جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ الْوَلَدِ ، قَالَ : ( مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ) قَالَ الْيَهُودِيُّ : لَقَدْ صَدَقْتَ . رواه مسلم (315) .

    3. عن أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا سَأَلَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى فِي مَنَامِهَا مَا يَرَى الرَّجُلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا رَأَتْ ذَلِكِ الْمَرْأَةُ فَلْتَغْتَسِلْ ) فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ - وَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ ذَلِكَ - قَالَتْ : وَهَلْ يَكُونُ هَذَا ؟ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نَعَمْ ، فَمِنْ أَيْنَ يَكُونُ الشَّبَهُ ، إِنَّ مَاءَ الرَّجُلِ غَلِيظٌ أَبْيَضُ ، وَمَاءَ الْمَرْأَةِ رَقِيقٌ أَصْفَرُ ، فَمِنْ أَيِّهِمَا عَلَا أَوْ سَبَقَ يَكُونُ مِنْهُ الشَّبَهُ ) رواه مسلم ( 311 ) .

    4. عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ : (امْرَأَةً قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَغْتَسِلُ الْمَرْأَةُ إِذَا احْتَلَمَتْ وَأَبْصَرَتْ الْمَاءَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، وَهَلْ يَكُونُ الشَّبَهُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ ذَلِكِ ، إِذَا عَلَا مَاؤُهَا مَاءَ الرَّجُلِ أَشْبَهَ الْوَلَدُ أَخْوَالَهُ ، وَإِذَا عَلَا مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَهَا أَشْبَهَ أَعْمَامَهُ) . رواه مسلم (314) .

    ونذكر هنا قولين لأهل العلم في معنى تلك الأحاديث السابقة ، ومرجع الكلام إنما هو في فهم معنى "السبق" ، و "العلو" .

    أ. قال ابن القيم رحمه الله :

    "إن سبق أحد الماءين سبب لشبه السابق ماؤه ، وعلو أحدهما : سبب لمجانسة الولد للعالي ماؤه ، فها هنا أمران : سبق ، وعلو ، وقد يتفقان ، وقد يفترقان ، فإن سبق ماءُ الرجل ماءَ المرأة ، وعلاه : كان الولد ذكراً ، والشبه للرجل ، وإن سبق ماءُ المرأة ، وعلا ماءَ الرجل : كانت أنثى ، والشبه للأم ، وإن سبق أحدُهما ، وعلا الآخر : كان الشبه للسابق ماؤه ، والإذكار ، والإيناث لمن علا ماؤه" انتهى .

    " تحفة المودود بأحكام المولود " ( ص 278 ) .

    ب. وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله :

    "ووقع عند مسلم من حديث عائشة : (إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أشبه أعمامه ، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أشبه أخواله) ونحوه للبزار عن ابن مسعود وفيه : (ماء الرجل أبيض غليظ وماء المرأة أصفر رقيق فأيهما أعلى كان الشبه له) ، والمراد بالعلو هنا : السبق ؛ لأن كلَّ مَن سبق : فقد علا شأنه ، فهو علوٌّ معنوي .

    وأما ما وقع عند مسلم من حديث ثوبان - رفعه – (ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة أذكرا بإذن الله ، وإذا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله) : فهو مُشكل من جهة أنه يلزم منه اقتران الشبه للأعمام إذا علا ماء الرجل ، ويكون ذكراً ، لا أنثى ، وعكسه ، والمشاهد خلاف ذلك ؛ لأنه قد يكون ذكراً ويشبه أخواله ، لا أعمامه ، وعكسه ، قال القرطبي : يتعين تأويل حديث " ثوبان " بأن المراد بالعلو : السبق ، قلت : والذي يظهر : ما قدمتُه ، وهو تأويل العلو في حديث عائشة ، وأما حديث ثوبان : فيبقى العلو فيه على ظاهره ، فيكون السبق علامة التذكير والتأنيث ، والعلو علامة الشبه ، فيرتفع الاشكال ، وكأن المراد بالعلو الذي يكون سبب الشبه : بحسب الكثرة ، بحيث يصير الآخر مغموراً فيه ، فبذلك يحصل الشبه ، وينقسم ذلك ستة أقسام :

    الأول : أن يسبق ماءُ الرجل ، ويكون أكثر ، فيحصل له الذكورة ، والشبه .

    والثاني : عكسه .

    والثالث : أن يسبق ماءُ الرجل ، ويكون ماء المرأة أكثر ، فتحصل الذكورة ، والشبه للمرأة .

    والرابع : عكسه .

    والخامس : أن يسبق ماءُ الرجل ، ويستويان ، فيذكر ، ولا يختص بشبَه .

    والسادس : عكسه .

    " فتح الباري " ( 7 / 273 ) .

    فتلخص مما سبق :

    أ. أن ابن القيم رحمه الله يرى في تفسير " السبق " ، و " العلو " إلى أن سبق أحد الماءيْن : سبب لشبه السابق ماؤه ، وعلوُّ أحدهما : سببٌ للتذكير والتأنيث .

    ب. وذهب ابن حجر رحمه الله إلى أن السبق علامة التذكير والتأنيث ، والعلو علامة الشبه .

    والأمر محتمل ، ولعلَّ الحقائق – لا النظريات – الطبية الحديثة تقوي أحد القولين ، ويمكن الرجوع إلى الكتب المتخصصة في الموضوع لزيادة المعرفة .



    والله أعلم





    الإسلام سؤال وجواب
    اللهم أعز الإسلام والمسلمين
    القصير
  • ابو البندري
    عضو جديد

    • 9 - 9 - 2008
    • 2754

    #2
    رد: مسائل في أصل خلق الجنين

    احسنت واحسن الله اليك 00 جزاك الله خيرعلى الموضوع القيم والمهم جدا بااارك الله فيك بانتظر مواضيعك المميزه
    sigpic

    تعليق

    • خلف عقيل السحيمي
      عضو جديد
      • 8 - 3 - 2009
      • 538

      #3
      رد: مسائل في أصل خلق الجنين

      الله يعطيك العافيه
      موضوع مهمه بارك الله فيك
      sigpic

      تعليق

      • مطر السحيمي
        عضو جديد
        • 20 - 3 - 2008
        • 459

        #4
        رد: مسائل في أصل خلق الجنين

        بارك الله فيك.. وجزاك خير الجزء.
        [FLASH="C:\Documents and Settings\Omar Computers\My Documents\م.swf"]width=400 height=350[/FLASH]

        تعليق

        • المرور
          عضو جديد

          • 28 - 1 - 2008
          • 1436

          #5
          رد: مسائل في أصل خلق الجنين

          الف شكر على الطرح الرائع والقيم

          وبارك الله فيكم وجزاكم الله خير الجزاء

          تعليق

          يعمل...