من قصص القرآن نتعلم ونتربى

تقليص
X
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • موسى بن ربيع البلوي
    رئيس مجلس الإدارة

    • 24 - 10 - 2001
    • 23140

    #1

    من قصص القرآن نتعلم ونتربى

    هذا الفصل من روائع ما قرأت ..

    وجدير بالمسلم أن يعيد قراءته مرات تلو المرات

    وجدير به أن يتدارسه مع غيره ، ويذكر به سواه ..

    حتى تستقر هذه المعاني الراقية في قلبه لتثمر سلوكا وواقعا ..

    والله الهادي إلى وساء السبيل .. اقرأ متأملا متدبرا ..

    ==

    ( وقال:إني ذاهب إلى ربي سيهدين). .

    هكذا ... . إني ذاهب إلى ربي . . إنها الهجرة .

    وهي هجرة نفسية قبل أن تكون هجرة مكانية

    . هجرة يترك وراءه فيها كل شيء من ماضي حياته .

    يترك أباه وقومه وأهله وبيته ووطنه وكل ما يربطه بهذه الأرض , وبهؤلاء الناس .

    ويدع وراءه كذلك كل عائق وكل شاغل . ويهاجر إلى ربه متخففاً من كل شيء ,

    طارحاً وراءه كل شيء , مسلماً نفسه لربه لا يستبقي منها شيئاً .

    موقن أن ربه سيهديه , وسيرعى خطاه , وينقلها في الطريق المستقيم .

    إنها الهجرة الكاملة من حال إلى حال , ومن وضع إلى وضع ,

    ومن أواصر شتى إلى آصرة واحدة لا يزحمها في النفس شيء .

    إنه التعبير عن التجرد والخلوص والاستسلام والطمأنينة واليقين .

    وكان إبراهيم حتى هذه اللحظة وحيداً لا عقب له ;

    وهو يترك وراءه أواصر الأهل والقربى , والصحبة والمعرفة .

    وكل مألوف له في ماضي حياته , وكل ما يشده إلى الأرض التي نشأ فيها ,

    والتي انحسم ما بينه وبين أهلها الذين ألقوه في الجحيم !

    فاتجه إلى ربه الذي أعلن أنه ذاهب إليه .

    اتجه إليه يسأله الذرية المؤمنة والخلف الصالح:

    (رب هب لي من الصالحين). .

    واستجاب الله دعاء عبده الصالح المتجرد , الذي ترك وراءه كل شيء ,

    وجاء إليه بقلب سليم . .

    ( فبشرناه بغلام حليم). .

    هو إسماعيل - كما يرجح سياق السيرة والسورة –

    وسنرى آثار حلمه الذي وصفه ربه به وهو غلام .

    ولنا أن نتصور فرحة إبراهيم الوحيد المفرد المهاجر المقطوع من أهله وقرابته

    . لنا أن نتصور فرحته بهذا الغلام , الذي يصفه ربه بأنه حليم .

    والآن آن أن نطلع على الموقف العظيم الكريم الفريد في حياة إبراهيم .

    بل في حياة البشر أجمعين .

    وآن أن نقف من سياق القصة في القرآن أمام المثل الموحي
    الذي يعرضه الله للأمة المسلمة من حياة أبيها إبراهيم . .

    ( فلما بلغ معه السعي . قال: يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك ,

    فانظر ماذا ترى . قال: يا أبت افعل ما تؤمر ،

    ستجدني إن شاء الله من الصابرين). .

    يالله ! ويالروعة الإيمان والطاعة والتسليم . .

    هذا إبراهيم الشيخ . المقطوع من الأهل والقرابة . المهاجر من الأرض والوطن .

    ها هو ذا يرزق في كبرته وهرمه بغلام . طالما تطلع إليه .

    فلما جاءه جاء غلاماً ممتازاً يشهد له ربه بأنه حليم .

    وها هو ذا ما يكاد يأنس به , وصباه يتفتح , ويبلغ معه السعي , ويرافقه في الحياة

    . . ها هو ذا ما يكاد يأنس ويستروح بهذا الغلام الوحيد , حتى..

    حتى يرى في منامه أنه يذبحه . ويدرك أنها إشارة من ربه بالتضحية .

    فماذا ?

    إنه لا يتردد , ولا يخالجه إلا شعور الطاعة , ولا يخطر له إلا خاطر التسليم . .

    نعم إنها إشارة . مجرد إشارة . وليست وحياً صريحاً , ولا أمراً مباشراً .

    ولكنها إشارة من ربه . . وهذا يكفي . .

    هذا يكفي ليلبي ويستجيب . ودون أن يعترض . ودون أن يسأل ربه . .

    لماذا يا ربي أذبح ابني الوحيد ?!

    ولكنه لا يلبي في انزعاج , ولا يستسلم في جزع , ولا يطيع في اضطراب . .

    كلا إنما هو القبول والرضى والطمأنينة والهدوء . يبدو ذلك في كلماته لابنه

    وهو يعرض عليه الأمر الهائل في هدوء وفي اطمئنان عجيب:

    ( قال:يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك . فانظر ماذا ترى ). .

    فهي كلمات المالك لأعصابه , المطمئن للأمر الذي يواجهه ,

    والواثق بأنه يؤدي واجبه

    . وهي في الوقت ذاته كلمات المؤمن , الذي لا يهوله الأمر فيؤديه ,

    في اندفاع وعجلة ليخلص منه وينتهي , ويستريح من ثقله على أعصابه !

    والأمر شاق - ما في ذلك شك - فهو لا يطلب إليه أن يرسل بابنه الوحيد إلى معركة .

    ولا يطلب إليه أن يكلفه أمراً تنتهي به حياته . . إنما يطلب إليه :

    أن يتولى هو بيده . يتولى ماذا ? يتولى ذبحه . . !!

    وهو - مع هذا - يتلقى الأمر هذا التلقي , ويعرض على ابنه هذا العرض ;

    ويطلب إليه أن يتروى في أمره , وأن يرى فيه رأيه !

    إنه لا يأخذ ابنه على غرة لينفذ إشارة ربه . وينتهي .

    إنما يعرض الأمر عليه كالذي يعرض المألوف من الأمر .

    فالأمر في حسه هكذا :

    ربه يريد . فليكن ما يريد . على العين والرأس . وابنه ينبغي أن يعرف .

    وأن يأخذ الأمر طاعة وإسلاماً , لا قهراً واضطراراً .

    لينال هو الآخر أجر الطاعة , وليسلم هو الآخر ويتذوق حلاوة التسليم !

    إنه يحب لابنه أن يتذوق لذة التطوع التي ذاقها ;

    وأن ينال الخير الذي يراه هو أبقى من الحياة وأقنى . .

    فماذا يكون من أمر الغلام , الذي يعرض عليه الذبح , تصديقاً لرؤيا رآها أبوه ?

    إنه يرتقي إلى الأفق الذي ارتقى إليه من قبل أبوه:

    ( قال:يا أبت افعل ما تؤمر . ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين ). .

    إنه يتلقى الأمر لا في طاعة واستسلام فحسب . ولكن في رضى كذلك وفي يقين . .!!

    ( يا أبت ). . في مودة وقربى . ..!

    فشبح الذبح لا يزعجه ولا يفزعه ولا يفقده رشده . بل لا يفقده أدبه ومودته .

    ( افعل ما تؤمر ). . فهو يحس ما أحسه من قبل قلب أبيه . يحس أن الرؤيا إشارة .

    وأن الإشارة أمر . وأنها تكفي لكي يلبي وينفذ بغير لجلجة ولا تمحل ولا ارتياب .

    ثم هو الأدب مع الله , ومعرفة حدود قدرته وطاقته في الاحتمال ;

    والاستعانة بربه على ضعفه ونسبة الفضل إليه في إعانته على التضحية ,

    ومساعدته على الطاعة:

    (ستجدني إن شاء الله من الصابرين ). .

    ولم يأخذها بطولة . ولم يأخذها شجاعة . ولم يأخذها اندفاعاً إلى الخطر دون مبالاة

    . ولم يظهر لشخصه ظلاً ولا حجماً ولا وزناً . .

    إنما أرجع الفضل كله لله إن هو أعانه على ما يطلب إليه , وأصبره على ما يراد به:

    (ستجدني - إن شاء الله - من الصابرين)

    يا للأدب مع الله ! ويالروعة الإيمان . ويالنبل الطاعة . ويالعظمة التسليم !

    ويخطو المشهد خطوة أخرى وراء الحوار والكلام . . يخطو إلى التنفيذ:

    ( فلما أسلما وتله للجبين ). .

    ومرة أخرى يرتفع نبل الطاعة . وعظمة الإيمان . وطمأنينة الرضى

    وراء كل ما تعارف عليه بنو الإنسان . .

    إن الرجل يمضي فيكب ابنه على جبينه استعداداً .

    وإن الغلام يستسلم فلا يتحرك امتناعاً . وقد وصل الأمر إلى أن يكون عياناً .

    لقد أسلما فهذا هو الإسلام . هذا هو الإسلام في حقيقته .

    ثقة وطاعة وطمأنينة ورضى وتسليم . . وتنفيذ . .

    وكلاهما لا يجد في نفسه إلا هذه المشاعر التي لا يصنعها غير الإيمان العظيم .

    إنها ليست الشجاعة والجراءة . وليس الاندفاع والحماسة .

    لقد يندفع المجاهد في الميدان , يقتل و يقتل .

    ولقد يندفع الفدائي وهو يعلم أنه قد لا يعود .

    ولكن هذا كله شيء والذي يصنعه إبراهيم وإسماعيل هنا شيء آخر . .

    ليس هنا دم فائر , ولا حماسة دافعة ولا اندفاع في عجلة

    تخفي وراءها الخوف من الضعف والنكوص !

    إنما هو الاستسلام الواعي المتعقل القاصد المريد , العارف بما يفعل ,

    المطمئن لما يكون . لا بل هنا الرضى الهادى ،

    المستبشر المتذوق للطاعة وطعمها الجميل !

    وهنا كان إبراهيم وإسماعيل قد أديا . كان قد أسلما . كانا قد حققا الأمر والتكليف

    . ولم يكن باقياً إلا أن يذبح إسماعيل , ويسيل دمه , وتزهق روحه . .

    وهذا أمر لا يعني شيئاً في ميزان الله ,

    بعدما وضع إبراهيم وإسماعيل في هذا الميزان من روحهما وعزمهما

    ومشاعرهما كل ما أراده منهما ربهما . .

    كان الابتلاء قد تم . والامتحان قد وقع . ونتائجه قد ظهرت .

    وغاياته قد تحققت . ولم يعد إلا الألم البدني . والإ الدم المسفوح . والجسد الذبيح .

    والله لا يريد أن يعذب عباده بالابتلاء . ولا يريد دماءهم وأجسادهم في شيء .

    ومتى خلصوا له واستعدوا للأداء بكلياتهم فقد أدوا , وقد حققوا التكليف ,

    وقد جازوا الامتحان بنجاح .

    وعرف الله من إبراهيم وإسماعيل صدقهما . فاعتبرهما قد أديا وحققا وصدقا:

    ( وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا . إنا كذلك نجزي المحسنين .

    إن هذا لهو البلاء المبين . وفديناه بذبح عظيم). .

    قد صدقت الرؤيا وحققتها فعلاً

    . فالله لا يريد إلا الإسلام والاستسلام

    بحيث لا يبقى في النفس ما تكنه عن الله أو تعزه عن أمره أو تحتفظ به دونه ,

    ولو كان هو الابن فلذة الكبد . ولو كانت هي النفس والحياة .

    وأنت - يا إبراهيم - قد فعلت . جدت بكل شيء . وبأعز شيء .

    وجدت به في رضى وفي هدوء وفي طمأنينة وفي يقين .

    فلم يبق إلا اللحم والدم . وهذا ينوب عنه ذبح . أي ذبح من دم ولحم !

    ويفدي الله هذه النفس التي أسلمت وأدت . يفديها بذبح عظيم .

    وقيل له: (إنا كذلك نجزي المحسنين). .

    نجزيهم باختيارهم لمثل هذا البلاء . ونجزيهم بتوجيه قلوبهم ورفعها

    إلى مستوى الوفاء . ونجزيهم بإقدارهم وإصبارهم على الأداء .

    ونجزيهم كذلك باستحقاق الجزاء !

    **

    ومضت بذلك سنة النحر في الأضحى ..

    ذكرى لهذا الحادث العظيم الذي يرتفع منارة لحقيقة الإيمان .

    وجمال الطاعة . وعظمة التسليم .

    والذي ترجع إليه الأمة المسلمة لتعرف فيه حقيقة أبيها إبراهيم , الذي تتبع ملته ,

    والذي ترث نسبه وعقيدته . ولتدرك طبيعة العقيدة التي تقوم بها أو تقوم عليها

    ولتعرف أنها الاستسلام لقدر الله في طاعة راضية واثقة ملبية لا تسأل ربها لماذا ?

    ولا تتلجلج في تحقيق إرادته عند أول إشارة منه وأول توجيه .

    ولا تستبقي لنفسها في نفسها شيئا , ولا تختار فيما تقدمه لربها هيئة ولا طريقة

    لتقديمه إلا كما يطلب هو إليها أن تقدم !

    ثم لتعرف أن ربها لا يريد أن يعذبها بالابتلاء , ولا أن يؤذيها بالبلاء ,

    إنما يريد أن تأتيه طائعة ملبية وافية مؤدية . مستسلمة لا تقدم بين يديه , ولا تتألى عليه

    , فإذا عرف منها الصدق في هذا أعفاها من التضحيات والآلام

    . واحتسبها لها وفاء وأداء . وقبل منها وفدّاها . وأكرمها كما أكرم أباها . .

    ( وتركنا عليه في الآخرين ). .

    فهو مذكور على توالي الأجيال والقرون . وهو أمة . وهو أبو الأنبياء .

    وهو أبو هذه الأمة المسلمة . وهي وارثة ملته .

    وقد كتب الله لها وعليها قيادة البشرية على ملة إبراهيم .

    فجعلها الله له عقباً ونسباً إلى يوم الدين .

    ( سلام على إبراهيم ). .

    سلام عليه من ربه . سلام يسجل في كتابه الباقي . ويرقم في طوايا الوجود الكبير .

    ( كذلك نجزي المحسنين ). .

    المصدر :
    أنصر نبيك
    .
    الإثنين 27محرم 1429هـ
    .


  • فارسة الإسلام
    عضو جديد
    • 27 - 11 - 2002
    • 144

    #2
    بسم الله الرحمن الرحيم

    شكرا لك ....على هذا الموضوع

    حقا ان القرآن الكريم عبرة لؤلي الألباب

    جزاك الله خيرا
    فارسة الإسلام

    تعليق

    • موسى بن ربيع البلوي
      رئيس مجلس الإدارة

      • 24 - 10 - 2001
      • 23140

      #3
      مشكوره اختي الكريمه : فارسة الاسلام على مرورك و اضافتك ...

      و عودا حميدا
      أنصر نبيك
      .
      الإثنين 27محرم 1429هـ
      .


      تعليق

      • ناصر
        عضو جديد

        • 24 - 10 - 2002
        • 2511

        #4
        الاخ ابونادر
        السلام عليكم

        اختيار موفق بارك الله فيك
        وفيها العبرةللمتقين

        ما اعظم هذا الايمان ... وكيف يرتقي بالنفس الانسانية الي مراتب السمو

        اشكرك اخي ابونادر

        تعليق

        • موسى بن ربيع البلوي
          رئيس مجلس الإدارة

          • 24 - 10 - 2001
          • 23140

          #5
          و عليكم السلام اخي الكريم : ناصر

          اشكرك اخي الفاضل على مرورك ..

          بارك الله فيك
          أنصر نبيك
          .
          الإثنين 27محرم 1429هـ
          .


          تعليق

          • ابن خيشان
            عضو جديد
            • 8 - 2 - 2009
            • 835

            #6
            رد: من قصص القرآن نتعلم ونتربى

            احسنت وجزاك الله خير طرح جيد

            تعليق

            يعمل...